النزاعات الطائفية أحيت الجماعات التكفيرية في المناطق البعيدة عن النزاع

كتب: لطفى سالمان

النزاعات الطائفية أحيت الجماعات التكفيرية في المناطق البعيدة عن النزاع

النزاعات الطائفية أحيت الجماعات التكفيرية في المناطق البعيدة عن النزاع

كشفت دراسة حديثة، لمجلس العلاقات الخارجية البريطانى، عن جذور الصراع السنى - الشيعى فى المنطقة، موضحة أنه يساهم فى إشعال جذوة النزاعات والفتن الطائفية فى الشرق الأوسط والدول المسلمة، وأشعل الحرب الأهلية السورية التى تهدد بتغيير خريطة الشرق الأوسط، وفتيل العنف فى العراق وسوريا، وخلق المشكلات والخلافات بين عدة دول من الخليج ذات العلاقات المضطربة، كما أعادت النزاعات الطائفية إحياء الجماعات التكفيرية فى المناطق البعيدة عن النزاع. وتؤكد الدراسة أن حالة الغليان التى وصل إليها هذا الخلاف والتى بدأت منذ أربعة عشر قرناً، لا تفسر العوامل السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية التى أدت إلى هذه النزاعات، لكنها أصبحت إحدى الزوايا التى يمكن من خلالها محاولة فهم الاضطرابات الكامنة خلف تلك الصراعات، فقد قامت الدولتان المتنافستان على الريادة الإسلامية (المملكة السعودية السنية وإيران الشيعية) باستغلال الشرخ الطائفى لمصلحتهما، وعلى الأغلب ستحدد نتيجة هذا التنافس شكل التوازن السياسى الجديد بين السنة والشيعة ومستقبل المنطقة، خصوصاً فى سوريا والعراق ولبنان والبحرين. وأوضحت أنه لا يقتصر عداء السنة المعتدلين أو المتطرفين على محاربة الشيعة فقط، فقد اقتتلوا فيما بينهم سابقاً عبر التاريخ كما حصل فى الغزو العراقى للكويت فى عام 1990 وحروب السعودية مع القاعدة والمجموعات السنية الأخرى المرتبطة بها. ومن هنا يتبين أن الهوية السنية المشتركة لم تلغِ الصراع على النفوذ والسلطة بين المسلمين السنة سواء كانت حكوماتهم علمانية أو إسلامية، لكننا نجد الهوية الطائفية تطفو إلى السطح أينما حل عنف طائفى كما فى العراق. وفيما يتعلق بممارسة الشعائر الدينية، يتفق السنة والشيعة على أركان الإسلام الأساسية: الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، إلا أن الخلافات تظهر عند التعاليم. والخلاف الأكبر هو فيما يتعلق بالسلطة، الأمر الذى أدى إلى فصل المسلمين إلى طائفتى الشيعة والسنة فى القرن السابع الميلادى، ونشأت تبعاً لذلك مفاهيم مختلفة لحكم الشريعة وهويات طائفية منفصلة. ويؤمن الشيعة بأن الله يبعث دائماً بمرشد يهديهم بدءاً بالإمام ومن ثم آيات الله (وهم رجال الدين المتبحرون الذين يتمتعون بسلطات واسعة ويعدون مرجعاً لغيرهم). ويرتبط لقب آية الله بالحكام الدينيين فى طهران، لكنه فى الحقيقة لقب يحمله رجال الدين الشيعة فى أعلى رتب المرجعيات. ويتم تخريج المرجعيات من المدارس الدينية فى قم والنجف وكربلاء بالعشرات يتمركز معظمهم فى المدن المقدسة فى إيران والعراق، ويختار منهم عامة الشيعة مرجعيتهم، فى حين يتم تعيين القائد الأعلى لإيران، عن طريق مجلس منتخب من رجال الدين فى إيران. أما بالنسبة للسنة فسلطتهم مبنية على القرآن وسنة محمد، وسلطة رجال الدين السنة تبقى محدودة بالمقارنة مع تلك التى يتمتع بها نظراؤهم الشيعة. أما عن المقاتلين الطائفيين، فمعظم المجموعات المتطرفة اليوم تلعب الدور الأساسى فى الاقتتال الطائفى بدعم من الدول المختلفة، إلا أن التنظيمين الأبرز (القاعدة السنى وحزب الله الشيعى)، فضلا استخدام شعارات معاداة الإمبريالية والصهيونية والأمريكان على الشعارات الطائفية لتوصيف جهادهم. وقد كان للعنف والفوضى دور فى عودة الناس إلى أصولهم الطائفية. ففى العراق وبعد سقوط صدام لعبت فلول نظام البعث على الوتر السنى لإنشاء مقاومة ضد المد الشيعى. وتدفقت جموع المتطرفين السنيين إلى العراق من الدول المسلمة استجابة لنداء القاعدة بمحاربة الأمريكان حيث شنوا هجمات ضد قوات التحالف وضد الشيعة المدنيين. وأحيا أبومصعب الزرقاوى مؤسس فرع القاعدة فى العراق فتاوى قديمة ضد الشيعة آملاً أن يشعل بذلك حرباً أهلية تجبر الشيعة على الإذعان تحت العنف السنى المتطرف، ووقع العديد من الضحايا من المجتمع الشيعى قبل أن يبدأ بالمقاومة عبر ميليشياته الطائفية الخاصة به. أما الحرب السورية، فقد تخطت وحشيتها وعدد ضحاياها فى ثلاث سنوات فقط ما شهده العراق خلال العقد الماضى، وتضخمت فيها الأحقاد الطائفية إلى مستويات غير مسبوقة. وكانت بداية الحرب مع مظاهرات سلمية فى 2011 نادت بإسقاط حكم الأسد. ومنذ تولى عائلة السلطة، عام 1970، زرعت عائلة الأسد وغيرها من العلويين البغضاء لدى الأغلبية السنية فى البلد بممارستها القمع الوحشى ضمن أجندة طائفية مكنت الأقلية العلوية من السيطرة على الحكومة والقطاع الخاص. تدافع عشرات الآلاف من السوريين السنة للانضمام إلى تكتلات الثوار كأحرار الشام والجبهة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة للقاعدة، وكانت جميعها تتبنى نهجاً مناوئاً للشيعة. وفى المقابل انضم عدد مماثل من الشيعة والعلويين إلى ميليشيات قوات الدفاع المدنى المدعومة من إيران التى تقاتل فى صف نظام الأسد. أضف إلى ذلك انضمام المقاتلين السنة من عرب وأجانب إلى صفوف الثوار من جهة، ومساهمة قوات حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية العراقية كعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله فى مساندة الحكومة السورية من جهة أخرى. ليس هذا فقط بل قامت إيران بتجنيد حتى اللاجئين الشيعة الأفغان لديها لقتال السنة الأجانب فى سوريا عبر إقناعهم بأن هؤلاء الأجانب هم السبب وراء تهجيرهم منذ عقود خلت. فكانت نتيجة كل ذلك أن نجحت الحرب السورية فى اجتذاب أعداد من المقاتلين أكبر مما اجتذبته الحروب الأخرى فى أفغانستان والشيشان والبوسنة مجتمعة.