الكعك فى «نكلا».. الأفران «الطينية» تتحدى «الكهرباء»

الكعك فى «نكلا».. الأفران «الطينية» تتحدى «الكهرباء»
قبل انتهاء الشهر الكريم، بدأت أسرة «أم محمد» المكوّنة من 6، تمارس طقوسها الثابتة، التى تشترك فيها بلدة «نكلا» الواقعة فى شمال الجيزة، لاستقبال العيد، هنا أمام الفرن البلدى المحتفظ بهيئته القديمة من الطوب الطينى يجرى العمل على قدم وساق، فالابنة الصغرى تعجن، والكبرى تتولى «برم ولف» العجين مع مقدار من الخميرة، والابنة الوسطى تشكل وتقطع الكحك إلى أشكال دائرية وحلزونية، والصاجات من حولهم موزّعة فى المكان بعشوائية أقرب إلى «التنظيم»، فالأم تتخذ مكانها أمام الفرن الذى يرسل وهجه وحرارته إلى وجهها المستدير، ليضيف إلى الضحكات المتتابعة والأغانى البهيجة التى تردّدها سحراً وجمالاً مضاعفاً رغم بساطة المكان، تتوقف بين الحين والآخر لتعدل من الإيشارب الأسود الذى ينزلق، ومن خلف الأم، وإلى جوارها تتحلق بناتها لمساعدتها، ليمثلا جوقة رائعة دون أن يعرقل ذلك وتيرة العمل التى تسير فى انتظام فائق، حيث يبدو أن الجميع اتفقوا سلفاً على توزيع المهام بعناية، والأحفاد يتشاجرون فيما بينهم ويتسابقون، من منهم سيتولى زخرفة الكحك بـ«المناقيش».
تتذكر «أم محمد»، السيدة الخمسينية، طقوس الإعداد لكحك العيد: «من وأنا عندى 13 سنة كنت باشوف السيدات فى بيت العيلة كلهم وعماتى متجمعين قبل عيد الفطر بيومين، وكان الكل بيشارك والكل فرحان، والأغانى الريفية تملأ المكان حوالينا، واتعلمت من أمى اللى كانت وقتها بتعمل لبيت العيلة بس». إعداد الكحك والبسكويت والقرص قديماً كان مختلفاً بعض الشىء ويتطلب إعداداً خاصاً حسب «أم محمد»: «زمان الناس كانت بتعجن وبتعمل كل مراحل الكحك فى أفران الطين، بس مع تطور الزمن بدأوا يستخدموا أفران الغاز، لأنها مابتطلعش دخان»، ثم تتوقف قليلاً عن الكلام قبل أن تقول بلهجة مؤكدة: «على الرغم من أن جيرانى كلهم بيستخدموا أفران الغاز، بس أنا وعيلتى بنفضل أفران الطين، مع أنها بتاخد وقت أطول، وفيه ساعات بنقعد اليوم كله قدام الفرن بين الدخان»، 6 سنوات قضتها «أم محمد» فى مزاولة هذه المهنة التى تمارسها فقط مع نهاية كل شهر رمضان: «دى مصدر رزق ليا عشان أجيب لهم هدايا من جيبى الخاص وأشرفهم فى بيوت أزواجهم». وعن السبب الذى يجعلها أكثر تمسكاً بالفرن البلدى تقول وهى تشير إلى بناتها الثلاث: «التلاتة متجوزين وعندهم أفران، بس بيجوا عندى مخصوص عشان الفرن البلدى، لأن الكحك فيه أطعم، وليه ريحة مميزة ونفاذة، وكمان أرخص فى تكاليفه، وأسعاره بتناسب أحوال الناس البسيطة، بس أنا ألاحق على الزباين»، تصمت قليلاً، وتضيف: «حتى أنا مستعدة أشترى فرن آلى دلوقتى، بس أنا ليا زباينى فى المنطقة بيجوا لى مخصوص ليطلبوا الكحك المخبوز فى الفرن البلدى».
البنت الوسطى تقوم بخلط المواد الأساسية، الدقيق والسمن والسكر واللبن بعد شرائها، حسب الطلبات والكميات المطلوبة، فى «شالية»، وهى وعاء عميق مصنوع من الفخار، ثم بيدها العاريتين تقلب هذه المكونات معاً، تساعدها أخواتها حين تأخذ قسطاً خفيفاً من الراحة لا يتجاوز دقيقتين لتلتقط أنفاسها ثم تأخذ دورها ثانية، فى حين تنشغل الأخت الكبرى بجلب الصوانى بعد التأكد من أنها نظيفة «وبتبرق»، بينما تتولى الأم إشعال الفرن وتزويده بين الفينة والأخرى بالخشب: «بنوزع الدوار ما بينا، وكل واحد عارف شغلانته، وفى آخر اليوم باوزع الفلوس على بناتى بالتساوى معايا».