المصريون بالخارج.. إنصاف رئاسي
خلال الفترة من 5 إلى 8 سبتمبر 2023م، وتحت رعاية وحضور السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، استضافت العاصمة الإدارية الجديدة المؤتمر العالمى الأول للصحة والسكان والتنمية، والذى انعقد تحت شعار «سكان أصحاء من أجل تنمية مستدامة»، بمشاركة أكثر من ثمانية آلاف شخص من مصر والعديد من دول العالم. وحضر المؤتمر وزير الصحة والسكان، وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، كما شارك فيه كل المعنيين بقضايا الصحة والسكان والتنمية على المستوى العالمى والإقليمى والوطنى وممثلون عن المنظمات الأممية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص ورواد الأعمال.
وخلال كلمة سيادته فى الجلسة الحوارية ضمن فعاليات المؤتمر العالمى الأول للصحة والسكان والتنمية، دعا السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لتنظيم هجرة المصريين إلى بعض الدول، مؤكداً أنه يمكن تنظيم هجرة مشروعة إلى بعض الدول التى تعانى من نقص فى المواليد. وأضاف السيد الرئيس: «دولة صربيا، لما الوزيرة اتكلمت عن موضوع المشكلة (نقص المواليد).. قد تكون فرصة كبيرة.. تنظيم الهجرة المشروعة.. الهجرة المشروعة حل مش هنودى الناس تقعد فى صربيا وتاخدها.. طاقة عمل موجودة تحقق عوائد للاقتصاد فى الدول دى.. توفير موارد مالية.. النظام الصحى فرصة كبيرة.. يا جماعة تصوروا حالة الهجرة الشرعية.. لمواجهة نقص العمالة فى أى دولة.. يتم التنسيق والتفاهم وتقديم هذه العمالة بشكل أو آخر لمدة محددة».
وتأتى دعوة السيد الرئيس فى وقت تصعد فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب فى العديد من الدول الأوروبية، وفى وقت تتزايد فيه الخطابات الشعبوية فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى غيرها من دول العالم الغربى. ويرى البعض بحق أن مصطلح «الشعبوية» لا يُستخدم للتوضيح، بقدر ما يُستخدم للتنديد، مضيفاً أن هذا المصطلح يمكن أن يحل محل مفردات أخرى حسب الحالات مثل «القومية» و«الحمائية» و«كراهية الأجانب» و«الشوفينية» و«تبسيط الأمور». فقبل أيام قليلة من يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفى ليلة مليئة بالجدل، شهدت ساحة ماديسون سكوير جاردن فى نيويورك تجمعاً انتخابياً للمرشح الجمهورى دونالد ترامب، حيث وجّه انتقادات حادة لخصومه السياسيين، وهاجم المهاجرين بشدة، متعهداً بأكبر حملة ترحيل فى التاريخ، كما أدلى المؤيدون تصريحات استفزازية، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة من الديمقراطيين وحتى من بعض الجمهوريين.
وفى ظل هذه الأجواء، يبدو سائغاً القول إنه ما أحوج المصريين فى الخارج إلى الدعم الرسمى الكامل من الدولة المصرية، وما أجمل أن يأتى هذا الدعم من رئيس الجمهورية. ويبدو من المناسب أيضاً الإشادة بجهود الحكومة المصرية فى توفير كل سبل الدعم للمصريين فى الخارج. ويبدو من الضرورى كذلك الحرص على عدم فقدان أى فرصة عمل يحصل عليها أحد المواطنين للعمل فى الخارج. إذ تعمل الحكومة على منح تسهيلات إضافية لشريحة كبيرة من الموظفين المصريين المعارين للخارج أو الحاصلين على إجازات بدون راتب من وظائفهم فى الدولاب الحكومى، لأداء مهام وظيفية أخرى فى الخارج، بالتنسيق بين وزارة الهجرة والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وذلك استجابة لمطالب المصريين بالخارج المتعلقة بمدد الإعارات وتجديد الإجازات. وفى هذا الصدد، تعتزم الحكومة تدشين منصة متخصصة لطلب الإعارات والإجازات، بالتنسيق بين وزارات الهجرة والاتصالات والعدل ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، بحيث لا يتطلب الأمر من الموظف الحضور بنفسه إلى مقر عمله الأصلى داخل مصر لتجديد طلب الإجازة أو الإعارة قبل انتهاء مدة سريانها. ويأتى تدشين المنصة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بإطلاق مدد الإعارات والإجازات الخاصة دون أجر للعمل بالخارج دون حد أقصى، بعدما كان الحد الأقصى للإعارة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة لا تجاوز عامين آخرين، بما يضمن للمصريين بالخارج الأمان الوظيفى وعدم تهديدهم أو إجبارهم على ترك وظائفهم فى الخارج، أو تخييرهم بين وظائفهم فى الخارج ووظائفهم فى الوطن. وفى السابق، كان يتعين على الموظف الحضور بنفسه إلى جهة عمله الأصلية لتقديم طلب تمديد الإجازة أو الإعارة، لكن الحكومة أصدرت قراراً سمحت بموجبه أن يتقدم الموظف بطلب قبل انتهاء مدة الإعارة أو الإجازة بثلاثين يوماً دون اشتراط حضوره شخصياً للموافقة على التجديد، مع إمكانية السماح لأحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بالإنابة عنه بموجب توكيل خاص. وسيتم من خلال هذه المنصة تقديم الطلب إلكترونياً بواسطة الرقم القومى لصاحب الطلب، مرفقاً به صورة من تأشيرة السفر، وجواز سفر سارٍ، مع استيفاء مجموعة من البيانات الشخصية والوظيفية، وسداد التأمينات الاجتماعية، وغيرها من البيانات التى تضمن الحفاظ على حقوق الموظف وجهة العمل فى آن واحد.
كذلك، وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بشأن مد أجل عدم مخاطبة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المعارين بالخارج، لمن تجاوز منهم عشر سنوات، بشأن العودة إلى وظائفهم فى أرض الوطن، حتى موعد غايته الحادى والثلاثين من شهر يناير 2025م، كمهلة أخيرة، لحين الانتهاء من الإجراءات التنظيمية اللازمة لمد الإعارات بالخارج، وكذا الانتهاء من إعداد المنظومة الإلكترونية الخاصة بمدد الإعارات والإجازة بدون راتب للعمل بالخارج، على أن تتولى الجامعات والمراكز البحثية تلقى طلبات مد الإعارة والإجازات الخارجية من أعضاء هيئة التدريس والبحوث، وتقديم الخدمات المقررة فى هذا الشأن من فحص طلبات واستيفاء إجراءات العرض على المجالس المتخصصة، واستخراج القرارات اللازمة فى هذا الشأن، لحين تفعيل البوابة الإلكترونية الخاصة بذلك بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ولا شك أن ذلك يمثل تطبيقاً عملياً للمادة الثامنة والثمانين الفقرة الأولى من الدستور، والتى تنص على أن «تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع وإسهامهم فى تنمية الوطن».
ومع ذلك، فإن بعض الجهات الإدارية وبعض المسئولين يغردون خارج السرب، من خلال التعنت مع موظفى الجهات التى يرأسونها. ويتخذ هذا التعنت أشكالاً وصوراً متعددة، نذكر منها عدم التصريح بالعمل للموظفين الحاصلين على إجازة مرافقة الزوج أو الزوجة، وذلك دونما مبرر من العقل أو المنطق، وبغض النظر عن مصلحة الموظف نفسه أو المصلحة العامة للدولة المصرية متمثلة فى تعزيز إيراداتها من التحويلات الدولارية للمصريين بالخارج. فطالما ثبت من خلال الضوابط المقررة قانوناً ونظاماً أن إعارة الموظف أو حصوله على إجازة مرافقة الزوج أو الزوجة للعمل فى الخارج ليس من شأنها التأثير سلباً على حسن سير وانتظام العمل فى الجهة التى ينتمى إليها، فلا يجوز لجهة الإدارة وضع العراقيل الإدارية أمامه. وإذا كانت جهة الإدارة ملزمة بمنح الموظف إجازة لمرافقة الزوج أو الزوجة، فلا يجوز لها أن تحظر عليه العمل.
إن إعارة المدرسين وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية للعمل فى الخارج يشكل -فى اعتقادنا- أحد عناصر القوة الناعمة المصرية. وكم أسعدنى شخصياً أن أسمع من بعض الأصدقاء والزملاء فى دول الخليج العربية وفى الشقيقة ليبيا أن مراحل تعليمهم المختلفة كانت على يد المدرسين المصريين وأعضاء هيئات التدريس فى الجامعات المصرية. ولذلك، فإن المأمول هو أن يضع الجميع التوجيه الرئاسى نصب عينيه، حتى تصل سفينة الوطن إلى بر الأمان تحت قيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى. وكان الله فى عون السيد الرئيس، وكفاه الله شر كل من يغرد بعيداً عن المصلحة العامة للوطن وتحكمه الأهواء الشخصية. حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء، وأدام الله عزها وريادتها بين الأمم.. والله من وراء القصد.