التمكين الرياضي للمرأة

مؤخراً، وكعادته فى الفترة الأخيرة، أثار لاعب النادى الأهلى السابق، أحمد بلال، الجدل من خلال السخرية من مستوى الكرة النسائية فى مصر، حيث نشر «بلال» منشوراً ساخراً عبر حسابه الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، قائلاً: «كرة نسائية إيه اللى بيلعبوها فى مصر.. ده الستات ما بيعرفوش يطبخو هيعرفو يلعبو» (هكذا ورد البوست، وقد قُمنا بنقل عباراته حرفياً بما تضمنه من أخطاء نحوية).

وبمجرد نشر البوست، ردّت الدكتورة دينا الرفاعى، عضو اتحاد الكرة والمشرف على الكرة النسائية، بهجوم نارى على التصريحات التى أطلقها مهاجم الأهلى السابق أحمد بلال، إذ قالت الدكتورة دينا الرفاعى، عضو اتحاد الكرة والمشرف على الكرة النسائية، رداً على أحمد بلال مهاجم النادى الأهلى السابق، عبر الصفحة الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «بنات مصر يمكنهن الطبخ ولعب كرة القدم ببراعة وتسجيل الأهداف بمهارة».

واستطردت: «بالإضافة إلى تربية الأطفال حتى يصبحوا رجالاً بحق يحترمون أنفسهم ويحترمون الآخرين». ودخلت المحامية الحقوقية نهاد أبوالقمصان على الخط، قائلة: «طب الرجالة بيعملوا إيه فى الكورة، ولا بيعملوا حاجة أصلاً، ومعندناش كورة من الأساس».

وتابعت: «مريلة المطبخ مستنياك.. إحنا عندنا كرة رجالية أصلاً.. وما شاء الله النيش مليان كاسات العالم فى الكرة.. لا تعايرنى ولا أعايرك، ولا أدخل أجيبلك الجلاليب من الدولاب».

وعلى هذا النحو، تصاعدت وتيرة أزمة التصريحات التى أطلقها أحمد بلال، مهاجم النادى الأهلى السابق، التى هاجم خلالها دورى الكرة النسائية فى مصر، الأمر الذى دفع اللاعب المعتزل المثير للجدل إلى حذف البوست بعد دقائق من نشره.

والواقع أن بعض الشخصيات قد أدمنت إثارة الجدل فى المجتمع المصرى، ومن هؤلاء اللاعب السابق أحمد بلال. ولا نُغالى إذا قلنا إن الإعلام الرياضى والوسط الرياضى المصرى يعيش فى فوضى عارمة يعود أحد أسبابها الرئيسية إلى هذه الشخصيات التى تهوى سكب الزيت على النار، وتجد أن طريقها الوحيد لكى تظل فى الصورة هو إثارة الجدل وإطلاق التصريحات المستفزة بشكل دائم ومستمر.

وللتدليل على خطورة هؤلاء، يكفى أن نتذكر حديث النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم: ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَل ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الآيةَ القرآنية مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون.

والغريب أن يصدر مثل هذا المنشور عن أحد اللاعبين السابقين والمحسوبين على الوسط الرياضى، والمفترض فيه بالتالى أن يدرك أهمية الرياضة، وأن الرياضة غدت حقاً دستورياً للجميع. فوفقاً للمادة الرابعة والثمانين من الدستور المصرى لعام 2014م: «ممارسة الرياضة حق للجميع، وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضياً ورعايتهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة. ويُنظم القانون شئون الرياضة والهيئات الرياضية الأهلية وفقاً للمعايير الدولية، وكيفية الفصل فى المنازعات الرياضية».

ومن ناحية أخرى، وطبقاً للمادة السابعة والعشرين من لوائح إجازة نادٍ للكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم للرجال، والتى دخلت حيز التنفيذ الكامل فى شهر يوليو 2022م، يجب على الأندية التى تشارك فى منافسة دورى أبطال أفريقيا، وكأس الكونفيدرالية الأفريقية، أن تضم فريقاً نسائياً نشطاً يشارك فى منافسة تنظم من طرف اتحاد كرة القدم الخاص بها.

وبناءً على ذلك، ولوضع هذا النص موضع التطبيق العملى، عمد الاتحاد الأفريقى لكرة القدم (كاف) إلى العمل عن كثب مع الاتحادات الأعضاء، من أجل توجيه الأندية للوفاء بهذا المطلب، مما أسفر عن تشكيل عدة فرق نسائية جديدة، وتقديم المزيد من الدعم للفرق النسائية على المستوى الوطنى.

ومن أجل الامتثال لهذه المعايير، يجب على الأندية أن تفى بالشروط التالية: أن يكون لديها فريق للسيدات أو إبرام اتفاق مكتوب مع فريق آخر يدير بنفسه فريق السيدات.

وفى حالة وجود اتفاق مكتوب بين طالب الإجازة (النادى) مع فريق آخر يدير الفريق الأول للسيدات، كحد أدنى، يجب أن يتضمن الاتفاق بنوداً تحمل اسم النادى، الصلاحية (موسم واحد على الأقل)، الشروط العامة، الموارد التى يجب توفيرها للفريق المعتمد فى ما يتعلق بالمجالات التقنية والمالية والبنية التحتية وغيرها.

وتنفيذاً لذلك، استوفت الأندية المشاركة فى دورى أبطال أفريقيا، وفى كأس الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم، خلال الموسم 2023 - 2024، متطلبات فريق السيدات، حيث أصبح لدى 58 من هذه الأندية فريق نسائى كجزء من هيكلها.

وتعتبر أندية الأهلى والزمالك «مصر»، ونهضة بركان «المغرب»، وتى بى مازيمبى «الكونغو الديمقراطية»، على رأس الأندية التى التزمت بوجود فريق نسائى نشط داخل هيكلها.

وقد أدى هذا المطلب الجديد الذى اعتمدته الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم أيضاً، إلى قيام 42 نادياً بالاتفاق مع فريق نسائى، مما أدى إلى مزيد من الدعم للعبة السيدات.

حيث قامت كل من أندية أورلاندو بيراتس، كايزر شيفز «جنوب أفريقيا»، الترجى الرياضى التونسى «تونس»، إنييمبا «نيجيريا»، اتحاد الجزائر «الجزائر» باتفاقية شراكة مع نادٍ آخر يدير فريقاً نسائياً من رفقة بقية الأندية الأخرى.

وتعليقاً على هذا التطور، قال مدير التطوير الفنى فى الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم: «لقد تم إظهار قيمة كرة القدم النسائية باستمرار، مما يجعل من الضرورى أن تعمل الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم، مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين فى تنفيذ استراتيجيات لنقل كرة القدم النسائية فى أفريقيا إلى أعلى مستوى لها».

وأضاف مدير التطوير الفنى فى الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم: «أظهر تعاون الأندية والاتحادات الأعضاء أن لدينا هدفاً مشتركاً فى جميع أنحاء أفريقيا لتعزيز كرة القدم النسائية. كانت مبادرات الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم الناجحة فى رفع مستوى لعبة السيدات مصدر إلهام عالمى، مما يضمن النمو المستمر والنجاح لكرة القدم النسائية فى القارة.. نحن فخورون بصفتنا الكونفيدرالية، وذلك بتبنى متطلبات إجازة نادى الفرق النسائية الإلزامية هذه بشكل كامل فى منافسات الكونفيدرالية الأفريقية للأندية، من أجل المضى قُدماً».

وتستمر جهود الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم، لتعزيز كرة القدم النسائية فى تحقيق نتائج جيدة.

وخلال كأس العالم للسيدات 2023 فى أستراليا ونيوزيلندا، وصلت ثلاث بلدان أفريقية «المغرب، ونيجيريا وجنوب أفريقيا» إلى مراحل خروج المغلوب فى المنافسة، وهو ما يعتبر سابقة بالنسبة للقارة الأفريقية.

ودخلت اللاعبة المغربية نهيلة بنزينة التاريخ كونها أول لاعبة محجّبة تشارك فى بطولة عالمية رفيعة المستوى. كما استضافت الكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم دورة تدريب للحصول على إجازة «كاف ج» للمدربات المشاركات فى كرة القدم النسائية فى الكثير من الاتحادات الأعضاء، على غرار غانا.

وكذلك استضافت دولة كوت ديفوار النسخة الثالثة من دورى أبطال أفريقيا للسيدات، خلال الفترة من 5 إلى 19 نوفمبر 2023م.

وفى شهر نوفمبر الحالى، حصد الفريق الأول للكرة الطائرة بنادى الزمالك «سيدات»، جائزة أم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لرياضة المرأة، كأفضل فريق نسائى فى 2024م.

وهكذا، وإذا كانت المرأة المصرية قد تفوقت فى ممارسة الكرة الطائرة وغيرها من الرياضات الجماعية والفردية، فما الذى يمنع تفوقها فى ممارسة كرة القدم؟

وبدلاً من أن يُسهم أحد المحسوبين على الوسط الرياضى فى تعزيز الرياضات النسائية، نجده يمارس دوراً سلبياً هداماً من خلال السخرية من المرأة المصرية بوجه عام والرياضيات المصريات على وجه الخصوص.

إن هذه السخرية القائمة على أساس الجنس تقع تحت طائلة المسئولية والعقاب، حتى يكون ذلك رادعاً له ولأمثاله من محبى إثارة الجدل.