فى فهم عودة «النصر للسيارات»!
حيرة كبيرة فى الحديث عن شركة النصر للسيارات.. دراما كبيرة مرتبطة بها وبتاريخها وبما تعرضت له فيما يزحف على سبعين عاماً.. فهل نبدأ من الأخير؟! هل نبدأ من التأسيس والصعود والنجاح، ثم المشكلات والتحديات، إلى الخسائر والفشل والإغلاق؟!
وحتى لا نضع القارئ العزيز فى الحيرة معنا نقول إن ما جرى من افتتاح الشركة من جديد وإعادتها للعمل تم بعد سنوات من الجهد حاولت فيها الشركة التوصل لأى تعاون وثيق مع شركة عالمية يحقق لمصر هدفين أساسيين.. الأول إنتاج سيارة مصرية تنسجم فى السعر والاستهلاك مع السوق المصرية.. وإمكانيات وقدرات المواطن المصرى ودخله وظروفه وظروف معيشته.. والثانى إنتاج سيارة بنسبة محددة من المدخلات والمكونات المصرية ونسبة عمالة مصرية متفق عليها!
وعبر مداولات ومفاوضات وجلسات مع عدد من الشركات العالمية بلغت حد الإعلان فعلاً عن التوصل إلى اتفاقيات سرعان ما يتراجع الشريك الأجنبى عنها أو يحاول فرض شروطه على مصر، فكانت مصر ترفض ذلك وتتراجع!! وهو ما تسبب فى تأخير عودة الشركة الذى أشرنا له هنا على ذات صفحات «الوطن» الغراء قبل أكثر من ثلاث سنوات!
الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أشاد بنفسه بإمكانيات الشركة وقدراتها رغم كل هذا الإهمال وما تلاه من إغلاق.. رئيس الوزراء قال إنه «يوم عيد» أن تعود الشركة للعمل والإنتاج!
رئيس الوزراء محق تماماً لأنه يدرك جيداً معنى «النصر للسيارات».. وهنا نعيد إنعاش الذاكرة الوطنية ونقول إن مصر قررت الدخول إلى عصر الصناعات الثقيلة كإحدى علامات السعى لبناء دولة عصرية حديثة بعد ثورة الشعب المصرى بقيادة أبناء جيشه العظيم فى يوليو 1952.. المسألة الوطنية تم حلها برحيل المحتل ثم باستكمال الاستقلال والإرادة السياسية باسترداد قناة السويس.
وكان ما يتبقى نهضة فى كافة المجالات.. فى الخدمات من تعليم وصحة وإسكان وغيرها، ثم فى الإنتاج، وهذا لا يتم إلا بالصناعة.. والثقيلة تحديداً.. ومع باقى الصناعات كانت «النصر للسيارات» التى طلب الزعيم جمال عبدالناصر من وزارتى الصناعة والإنتاج الحربى التعاون لإنتاج سيارة مصرية.. فلجأوا - وهذا منطقى - لشركات من دول صديقة.. ثم قرر فى عام 59 أن تكون الشركة خالصة ملكية عامة بشكل كامل لا يحمل أى شك.
ولذلك بعد أشهر فى مايو من العام 1960 صدر القرار الجمهورى 913 بتأسيس الشركة واختيار اسمها الحالى الذى اعتبرته الدولة شعارها وقتئذ واختارته لشركات ومشاريع أخرى.. وخصصت للشركة 480 ألف متر فى وادى حوف وعدد عمال فى حدود الـ300 عامل ومهندس وسائق.. وسرعان ما بلغ العدد بسبب التوسع الـ12 ألف عامل!
والمساحة إلى أربعة أضعاف تقريباً لتبلغ 1660000 متر، وأنتجت ماركات كل المصريين يتذكرونها من سلسلة سيارات نصر بنماذج «موديلات» عديدة، ثم أضيفت لها نماذج أخرى، وتعاونت مع شركات عالمية، وكان المكون المصرى وقتها فى حدود الـ45% بأفق يصل إلى سيارة مصرية كاملة! لكن إلى جوار ذلك أسست الدولة مصانع وشركات أخرى لإنتاج البطاريات والإطارات مثل شركة «نسر»!
فى منتصف السبعينات، وطبقاً لسياسة وقوانين الانفتاح، سُمح للسيارات الأجنبية بالدخول للأسواق المصرية، وكانت المنافسة صعبة جداً لشركة لم تُكمل الخمسة عشر عاماً، رفعت الدولة يدها عن حمايتها كصناعة وطنية مهمة!!! فبدأ التراجع.. الذى تحول إلى خسائر. ثم إلى إهمال أدى إلى إغلاقها فى 2009!!!
فى توقيت إغلاقها بدأ غيرنا الدخول إلى ذات الصناعة، واليوم تحول إلى رقم مهم وكبير فى صناعة السيارات!!! وتجربتنا لم تكتمل ولم تُحدث تراكماً ولم تحمها الدولة!
اليوم نصحح المسار، اليوم نبدأ من جديد على خبرات كبيرة وإمكانيات هائلة.. اليوم نجدد الأمل ونقرر أن نكون رقماً فى الصناعة وفى صناعة السيارات تحديداً.. اليوم نعلن عودة الشركة، لكن بتجارب فعلية أنتجت سيارات وحافلات على سبيل التجربة وليس على سبيل البيع والتصدير.. هل استعددنا لذلك؟! نعم.. إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية مع انتشار جيد لمحطات الشحن!
ألف مبروك لشعبنا.. ألف مبروك لمصر، ألف مبروك للأشقاء العرب، وقد كانت فرحتهم على «التواصل» لا تقل عن المصريين، «النصر للسيارات» ليست مجرد شركة وليست مجرد مصنع.. إنما مشروع عابر للحدود يؤسس لإرادة قوية وطموح كبير وعمل وجهد على الأرض ومستقبل واعد بإذن الله.