السعودية في حُلتها العصرية

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

لا يمكن أن تختزل الإصلاح فى السعودية فى حضور «جينفر لوبيز وسيلين ديون»، إلا إذا كنت تهرب من الاعتراف بسقوط «الدولة الدينية» وبداية الدولة العصرية هناك، ليس بمهرجان الرياض، ولكن عندما قررت المملكة العربية السعودية مواجهة التطرف والإرهاب من جذوره، وأصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز قراراً بإنشاء هيئة للتدقيق فى استخدامات الأحاديث النبوية.

وأسند هذه المهمة إلى وزارة الثقافة والإعلام السعودية، التى قالت إن: (هدف الهيئة هو القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأى نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب).. وأنهت السعودية مهام واستقلالية هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».. ثم قامت بتوقيف آلاف المدرسين ممن يتبنون أفكاراً إرهابية أو ينتمون للإخوان، وصادرت الكتب التى تحتوى على مناهج تتبنى نفس الآراء.. حتى وصلنا إلى قرار الملك «سلمان» بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات.

وهنا خرج الأمين العام لهيئة «كبار العلماء»، الدكتور فهد الماجد، ليقول: (إن علماء الشريعة كلهم قرروا أن تصرُّف الراعى على الرعية منوط بالمصلحة العامة للرعية، وعليه فإن ولى الأمر لن يختار إلا الأنفع والأصلح بكل قراراته)! ليؤكد «الماجد» -كما كتبت من قبل- أن «السلطة» هى الوحيدة القادرة على تغيير الفكر الدينى وتجديده، مهما كان مدججاً بفتاوى شاذة ومتخلفة تعود بالبلاد إلى أيام الجاهلية.

وخرس بقية من يسمون أنفسهم «علماء دين»، الذين يدافعون دائماً عن التراث الدينى، ومن يعتبر بينهم السنة ثلاثة أرباع الدين.. سقطت الدولة الدينية فى مهدها ليكون «الإسلام» بركنه الأعظم «الحج» محاطاً بدولة عصرية متحضرة تعمل على خدمة حجاج البيت الحرام وتوسعة الحرمين، لكنها لا تكتفى بدخل البترول والسياحة الدينية (الحج والعمرة) فحسب، بل تنمى قدراتها الاقتصادية لتحتفظ بمواطنيها الذين كانوا يفرون من مطاردة المطوعين فى الشوارع لسياحة فى أوروبا والدول العربية.. فالحرية إن لم تكن هى أمنك «فى الشارع» بغير مطاردة لامرأة تقود سيارتها أو تحرش بسيدة غير محجبة فهى ليست حرية.

وجدت السعودية فى «مهرجان الرياض» واجهة تقدم صورتها الحديثة، واعتمدت على القوى الناعمة المصرية والعربية أيضاً ليلتف العالم حول الشاشات يتابع وهى تخلع العباءة القديمة المهترئة وترتدى حُلتها الحديثة.. وفى الوقت نفسه وفر المهرجان فرص العمل وربح ملايين الدولارات من الضرائب والرواج فى الفنادق والطيران والرعاة.. قد تتعجب من كلماتى باعتبارنا نعتمد على سياحة المهرجانات، والحقيقة أننا نتنافس لنتكامل أيضاً.. فالرياض لم تكن لتنجح دون «قوتنا الناعمة»؛ نجومنا الذين يعشقهم العالم العربى.. وهذا طبيعى جداً، فمعظم القنوات الفضائية السعودية قامت على أكتاف مصريين من مقدمين إلى مخرجين وفنيين ومهندسين.. إلخ.

والدليل على كلامى أن المستشار تركى آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية، قد عقد شراكة مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.. واتفق مع عمرو الفقى، الرئيس التنفيذى للشركة المتحدة، على الانتهاء من جميع التراخيص لصندوق big time للأفلام من هيئة سوق المال السعودية برأس مال ٥٠ مليون دولار وبشراكة بين Gea والمتحدة للأفلام ومستثمرين سعوديين.. هذا بخلاف رعاية مهرجان الرياض لفعاليات فنية مهمة تقام فى مصر.

أنا لا أناقش الآن مهرجان الرياض -معكم- إلا لأن البعض رأى وجوب مهاجمته من التيار السلفى مقابل هجوم نفس التيار على مهرجان الجونة وعلى الفن والإبداع المصرى بشكل عام.. لكنهم خرسوا تماماً كما خرس الجميع أمام عملية تنقية الأحاديث النبوية الشريفة.

لقد تابعت -على صفحات «الوطن»- التحولات التى تحدث فى المملكة العربية السعودية.. وسوف يظل أهمها من وجهة نظرى تصريحات سمو الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، خلال حواره لمجلة «أتلانتيك» الأمريكية، التى تبرأ فيها من الفكر «الوهابى» وقال: (إن أصحاب الفكر المتطرف اختطفوا الدين الإسلامى وحرفوه بحسب مصالحهم.. وجماعة الإخوان لها دور كبير وضخم فى خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد جسراً يودى بك إلى التطرف).. وهذا التحريف الذى تصححه السعودية الآن هو ما يجب مناقشته.