الجيل الرابع والجيل الراضع تواكلاً
فى المناظرة الثالثة بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما ومنافسه الجمهورى، حاكم ولاية ماساشوسيتس، ميت رومنى، والتى جرت قبل أسابيع من الانتخابات الأمريكية (نوفمبر 2012)، أخذ المرشح الجمهورى يشير إلى أن وضع الجيش الأمريكى أصبح مزرياً، وأن ضعف التسليح أصبح ظاهراً للعيان، وهو ما يؤثر على قوة الجيش الأمريكى ومكانته.. وضرب مثلاً بعدد السفن، فقد أشار إلى أن عدد السفن الحربية الأمريكية فى بداية القرن العشرين كان أكبر مما هو عليه الآن!»، وهنا كان الرد الصاعقة الذى ألقاه أوباما، والذى كان بمثابة الضربة القاضية أو الهدف الذهبى فى هذه المناظرة، إذ قال له: «ولا تنس أيضاً أن تذكر أن عدد مدافع المنجنيق والطوربيدات قد قلت أيضاً فى الجيش الأمريكى؟»، فى إشارة إلى أدوات الحرب القديمة التى لم يعد يستخدمها أحد فى الحروب الحديثة، واستطرد أوباما فى شرح كيف أن الحروب الحديثة والجيش الحديث لا يحتاج إلى مثل هذه التجهيزات القديمة، وأن هناك أساليب تسليح أكثر فعالية وأكثر ضراوة من هذه الأساليب القديمة!!
فى الحروب الجديدة لم تعد الأسلحة كما كانت، ولم تعد أدوات الحرب كما كانت.. لا أتحدث عن الجيل الرابع ولا حتى الخامس، كلها تصنيفات نظرية، وشخصية، وزمنية.. تختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة.. الشىء المؤكد بينها أن وسائل الحروب تتغير باختلاف الزمان والمكان.. لكل ميدان أدواته.. لو كانت حروب الجيل الرابع تصلح دائماً لما ذهبت الولايات المتحدة بجيوشها وعبرت القارات إلى العراق وأفغانستان! ولما تورطت روسيا بعدها وعتادها فى الشيشان! ولما احتاجت باكستان والهند إلى التلويح الدائم باستخدام السلاح النووى فى نزاعهما الدائم، ولما حرص الجيش المصرى على تنويع مصادر السلاح والتطوير المستمر له فى حفاظه على أمن البلاد والعباد.. كان يكفى كل هذه الجيوش إقامة دورات تدريبية لبعض العناصر الناشطة، وإنشاء عدد من القنوات التليفزيونية وتمويلها بسخاء، بدلاً من كل هذه الصعوبات التى تواجهها ميدانياً..
مشكلتنا كبشر فى مصر، أكثر منا كمؤسسات، أننا لا نطور أدواتنا القتالية ضد أعباء الحياة وضد مشكلاتنا.. ما زلنا نبحث عن «المنجنيق والطوربيدات» فى حل مشكلات حالية.. ما زلنا نكرر التجربة بكافة تفاصيلها مرات عديدة ونطمع فى نتائج مختلفة على حد تعبير إينشتاين فى تعريفه للغباء.. ما زلنا نبحث عن خاتمنا المفقود فى «مكان الضوء» لا فى موضع سقوطه، تماماً مثلما فعل جحا، وتماماً مثلما رد على سائليه بعصبية: «هل تريدون منى أن أبحث عن خاتمى الضائع فى الظلام؟»!!
الجيل الرابع من الحروب يتطلب منا أن يتسلح كل فرد بأدوات العصر فى حل مشاكله، وفى التغلب على صعوبات الحياة.. الجيل الرابع من الحروب يتطلب من كل شخص منا أن يطور «السوفت وير» الخاص به، ولا يتمسك بأفكار بالية، ولا يكون متحجراً فى تفكيره.. الجيل الرابع من الحروب لا يقتصر على الحروب بين الدول.. هى حروب بين الأفراد بعضهم بعضاً، فى مواجهة الحياة.. نحن لا نمتلك عقلية الجيل الرابع فى مواجهة أعباء الحياة، ونحتاج إلى «فرمتة» الهاردوير الخاص بحياتنا وتنزيل برامج جديدة قادرة على التعامل بفعالية مع مشكلات الحياة..
لو ركزنا فى طرق معالجتنا لكثير من مشكلاتنا الحالية، لوجدنا أننا نكرر نفس العبارات التى نطقها أجدادنا حين ضرب «جند الفرنسيس» القنابل (أو القنبر كما سماها المصريون حينذاك) عليهم فى ثورة القاهرة الأولى عام 1798، «وقالوا يا سلام من كثرة الآلام، ويا خفى الألطاف نجنا مما نخاف».. ما زلنا نكرر هذه العبارات فى تعاملنا مع مشكلاتنا الحياتية التى لا نملك أدوات العصر فى التعامل معها.. وسنظل نكررها دائماً بنفس الاندهاشة وبنفس الاستغراب «يا خفى الألطاف.. نجنا مما نخاف»!! دعونا نفطم أولادنا ولا ننافق شعبنا إذا أردنا أن يكون لنا مكان على الأرض ولا أقول فى الفضاء.