صقور «ترامب» وعصافير «مانهاتن»
أعاد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكى المنتخب والعائد بقوة إلى البيت الأبيض، «مشروع مانهاتن» الملهم والمثير إلى الأضواء بعد ربطه بتكليفه رجلى الأعمال إيلون ماسك وفيفيك راماسوامى بتولى وزارة «الكفاءة الحكومية». ومانهاتن هى مقاطعة فى نيويورك احتضنت البرنامج الحكومى السرى الذى تمكّنت به الولايات المتحدة من امتلاك القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية فى الفترة بين عامى (١٩٣٩ - ١٩٤٥).
وقد تسبّب ربط ترامب بين الوزارة المستحدثة فى إدارته والبرنامج النووى الأمريكى القديم، فى جدل كبير بعد أن وصف فريقه بأنه «مشروع مانهاتن.. عصرنا الحالى». وقد أوضح أن الوزارة الجديدة تهدف لـ«تفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص الإجراءات التنظيمية الزائدة وخفض الهدر فى النفقات وإعادة هيكلة الوكالات الاتحادية».
وقد أعطى «ترامب» «ماسك وراماسوامى» مهلة حتى الرابع من يوليو 2026 لتحقيق «حكومة أصغر» تكون بمثابة «هدية مثالية لأمريكا فى الذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال»، حسبما ذكر موقع قناة «الحرة» موضحاً أن رجال الأعمال الثلاثة (ترامب، ماسك، راماسوامى) يستهدفون إجراء خفض بقيمة 2 تريليون دولار فى ميزانية الحكومة الفيدرالية البالغة من 6٫5 إلى 7 تريليونات.
وظنى أن استدعاء ترامب النووى، سببه الحضور القوى للفيلم السينمائى الأمريكى «أوبنهايمر»، الذى عُرض فى يوليو سنة ٢٠٢٣، وحصد سبعاً من جوائز «الأوسكار» فى مارس الماضى، ويحكى قصة أول قنبلة ذرية أمريكية ومخترعها العالم الشهير روبرت أوبنهايمر، والتى تم إنتاجها عبر «مشروع مانهاتن»، وكان ثمرته الأولى تفجيرى هيروشيما وناجازاكى سنة ١٩٤٥.
لكن ما علاقة تفكيك البيروقراطية بالتفجيرات النووية؟، هذا أمر يجعلنا نتوقف كثيراً أمام ما يطلقه ترامب من قنابل خاطفة لقلوب الجماهير، وهى لا تعنى شيئاً واضحاً، سوى أنها قنابل دخان أو «عصافير» لجذب الانتباه أو تشتيته، وهذا يتّفق مع ما قاله جون بولتون مستشاره السابق للأمن القومى، فى مقاله الأخير بـ«إندبندنت عربية»، حيث ذكر أنه: «كما يُقال فى ولاية تكساس (يتحدث كثيراً ولا يفعل شيئاً)، غالباً ما يكون ترامب هو هذا الشخص، فهو يطلق تصريحات قوية، لكن لا يترجمها إلى أفعال ملموسة».
فيما تفرّق سبق اختيار كلمة «الصقور» وصفاً للمرشحين من قِبل الرئيس ترامب لتشكيل فريق إدارته الجديدة بين صحيفتى «الجارديان» البريطانية، و«وول ستريت جورنال» الأمريكية، كلتاهما استخدمت الكلمة الموحية نفسها، والتى تعكس توجه الشخصيات المرشحة، والتى تنتمى جميعها إلى المعسكر الترامبى من رافعى لواء «أمريكا أولاً».
فقد اختارت «الجارديان» على سبيل المثال عنوانها التالى: «ترامب يبنى فريقاً من الصقور»، ثم أكملته بالاسمين المرشحين لمناصب وزارية عليا فى الإدارة الجديدة، وهما السيناتور ماركو روبيو (وزيراً للخارجية)، والنائب مايك والتز (مستشاراً للأمن القومى)، وهما من الجمهوريين البارزين من فلوريدا، وينبئ اختيارهما بسياسات أكثر انعزالية فى ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
كما أعلن «ترامب» اختيار قطب العقارات والمتبرّع لحملته الانتخابية ستيفن ويتكوف ليكون مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، واختار الحاكم السابق لولاية أركنساس مايك هاكابى، المعروف بكرهه للفلسطينيين سفيراً لواشنطن لدى دولة الاحتلال. وأخيراً كان أكثر الاختيارات إثارة للجدل، هو ترشيح بيت هيجسيث، المذيع والمحلل السياسى فى شبكة «فوكس نيوز» لتولى منصب وزير الدفاع.
وكانت إسرائيل هى الأسعد باختيارات ترامب (من الصقور) ورحّبت بأسماء المرشحين لفريقه المرتقب، هذا ما أكده مراسل صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية فى تل أبيب، وعنون به تقريره المنشور أمس: مستوطنو إسرائيل يرحّبون بفريق ترامب «الملىء بأصدقائنا».
وقد نقل التقرير تصريحات إذاعية ليوسى دجان، رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية، الذى دعاه فريق ترامب لحضور حفل التنصيب بالبيت الأبيض فى 20 يناير المقبل، وقال فيها: إن «الرئيس يقيم طاقماً رائعاً حقاً وغير مسبوق فى دعم إسرائيل. أناس يفهمون حقيقة الأوضاع لدينا، خصوصاً بعد 7 أكتوبر ٢٠٢٣».
وأضاف: أن «هذا الطاقم هو الأكثر تأييداً للاستيطان منذ سنة 1967. ولم يبق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلا أن يتخذ قراراً جريئاً بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وضم الضفة الغربية، حالما يتسلم ترامب مهام منصبه فى البيت الأبيض».
واختم بفقرة تستحق الانتباه من مقال بولتون، الذى كان عنوانه: «كيف سيتأثر الشرق الأوسط بعودة ترامب؟»، وفيه أوضح السياسى الأمريكى المخضرم، قائلاً: «ونظراً إلى أن ترامب غير مؤهل من الناحية الدستورية للترشح لولاية رئاسية ثالثة، فإنه لن يخشى تالياً من أى رد فعل سياسى فى الداخل، إذا ما اتخذ مواقف قد تتعارَض مع المصالح الإسرائيلية فى ما يتعلق بقضايا رئيسية».
وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام دور عربى وإسلامى تتوحّد فيه الجهود وتتضافر، وتذوب معه الخلافات وتتلاشى، يقف الجميع فى وجه الخطر القادم الذى يمثل تهديد وجود للأمة العربية والإسلامية، لا مجال لخلافات حول زعامة وقيادة أو صراعات على أيديولوجيا أو مواقف سياسية.
علينا أن نصدّق أننا نمتلك القدرة على تحويل «صقور ترامب» إلى حمائم، بل إلى عصافير، بتوظيف كل مقدّرات الأمة لخدمة هدف واحد تجتمع عليه القلوب، ولنجرب طريقة «الضغوط القصوى» التى ابتدعها الأمريكيون، ونمارسها عربياً على الإدارة الأمريكية الجديدة.
وحتماً ستُؤتى ثمارها إن صدقت النوايا واشتد العزم.