تجديد الخطاب الدينى مهمة عاجلة (4-4)

فى ظل الخطاب الدائم والمؤتمرات الهامة التى يعقدها الأزهر ووزارة الأوقاف، وفى ظل وجود وثيقة المرأة التى صدرت عن الأزهر، يخرج علينا الأستاذ ياسر برهامى، أحد نجوم الدعوة السلفية، برأى أن الدورة الشهرية للمرأة من الشيطان، مخالفاً كل تعاليم الدين الإسلامى من احترام الإنسان عامة والأم التى كرّمها الرسول بتقديمها عن أى فرد فى العائلة حينما قال «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك»، والذى رد على أحد الصحابة حينما حمل أمه وطاف بها الكعبة وكانت سيدة مسنّة غير متحكمة فى نفسها وأرهقته بشدة، وعندما قال للرسول: هل وفيتها حقها فرد عليه قائلاً: «ولا طلقة من طلقات الولادة». هذا النجم السلفى الساطع رأى أن الدورة الشهرية، التى هى سبب وجود البشرية واستمرار الكون، من عمل الشيطان ولم يتنام إلى علمه أن الدورة الشهرية هى بويضة غير مخصبة تركت المجال وأخلت مكانها لدخول بويضة أخرى ربما تخصب وتهب الحياة لإنسان جديد، وإن كانت من الشيطان فيكون كل إنسان ينتج عن كل بويضة هو من الشيطان أيضاً!! من أى مصدر جاء هذا العبث؟ والأمر العجيب ألا نجد من يرد على هذه الخرافات التى يُصدرها نجوم السلفية تحت غطاء الدين ولا نجد من مؤسساتنا الدينية ولا شيوخنا الثقال رداً، إما تجنباً لمعركة يعتقدون ألا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهو اعتقاد خاطئ لأن هذه هى معركة الدين الحقيقية ورد اعتباره وتحريره من يد المتاجرين. وهنا لا بد من توضيح، أنه فى الوقت الذى يترفع فيه المسئولون السياسيون والقيادات الدينية عن الاشتباك مع هذه الأفكار، نرى أنها هى الأولوية الأولى لهذه الجماعات وهى فى مقدمة اهتمام كل الجماعات التكفيرية والداعشية لأن قضايا المرأة ليست قضايا دينية فقط وإنما هى رأس الحربة للسيطرة على أى مجتمع. فبقتل المرأة نفسياً واعتبارها مخلوقاً شريراً يتحكم فيه الشيطان ويزوره كل شهر مع الدورة الشهرية، ينجح فى إقصائها اجتماعياً فلا يقترب منها أحد أو يثق فى رأيها أحد داخل الأسرة وخارجها، وفى عصور الانحطاط وبعض المناطق التى يتحكم فيها الجهل والجهلاء كانت تطرد المرأة خارج المنزل طوال مدة الدورة الشهرية، فكيف لإنسان يتم التعامل معه كمنديل ورق أو مكب نفايات يُستخدم لتفريغ الحاجة الجنسية للرجل فقط، وفى الأوقات التى لا تُستخدم فيها لهذا الغرض يتم طردها خارج المنزل وخارج الجامع أو إقصاؤها نفسياً واجتماعياً، أن يكون له دور فى أى شىء وكيف لهذا الفكر أن يُنتج أماً تبنى أجيالاً على الكرامة واحترام الذات. لهذا تُعد المرأة مفتاح الهيمنة على أى مجتمع، ليس لهذا فحسب وإنما لأنها العلَم الذى يرفعه المتطرفون على مناطق نفوذهم، فأول ظهور شكلى لهم هو فرض الحجاب أو النقاب فى مناطق نفوذهم مثلما تفعل داعش حينما فرضت النقاب وألغت تعليم الفتيات وفرضت الختان، كان قهر المرأة أهم من توفير الخبز للجائعين أو حتى كسب ثقة الناس، فبقهر المرأة يتم قهر الناس. قضية تجديد الخطاب الدينى، خاصة المتعلق بالمرأة، ليست قضية رفاهية فكرية أو قضية نسوية فقط وإنما قضية محاربة فكر متطرف يقود إلى التمييز واحتقار الآخر ويربى على الغلظة والعنف ويقدم ملايين من الشباب هدية لجيوش التطرف، وفى كل وقت يدفع ثمن تقاعسنا عن المواجهة الجيش والشرطة من دماء أبنائنا.