موسم الهجوم على حسن حنفي

أحمد عمر

أحمد عمر

كاتب صحفي

هذا رجل شغل الدنيا، وتعب الناس في سعيهم لفهمه وتصنيفه والحكم عليه؛ فهو " إخوان مسلمين عند الشيوعيين، وشيوعي عند الإخوان المسلمين، وإخواني شيوعي عند أجهزة الأمن". وهو متهم دائما في عقيدته، موصوفا بالكفر حينا، ومتهما بالمروق السياسي وعدم طاعة الحكام، وإثارة القلاقل الفكرية والسياسية حينا أخر، وأخيراً تلفيقي، وليس توفيقياً، يحاول أن يمثل بشخصه وفكره جسراً بين الماضي والحاضر، بين الإسلام والعصر، بين الفرقاء من مختلف التيارات الفكرية والسياسية. وحسن حنفي المتهم من الجميع، رجال سلطة، ويسار، وإسلاميين، وليبراليين، قد جعل من نفسه – في الوقت ذاته - قاضياً يحاكم التراث، والفرق الإسلامية، والسلطان، وفقهاء السلطان، ومحامياً سخر حياته وقلمه للدفاع عن حرية الفكر، والعدالة الاجتماعية، ووحدة وهوية الأمة، وقيم التسامح والحوار، وقبول الأخر، لأن " الوحدة بلا تعدد خواء وموت، والتعدد بلا وحدة تناقض وتنافر". وقد سعدنا جميعاً مؤخراً، بحصوله على جائزة النيل في العلوم الاجتماعية هذا العام، وهي أكبر جوائز الدولة قيمة من الناحية المعنوية والمادية، وذلك بعد سنوات طويلة من عدم الاعتراف الرسمي، الذي بلغ حد التجاهل التام للرجل وحضوره ومشروعه الفكري. وكان المفكر الكبير، وأستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، الحاصل على درجة الدكتوراه من السوربون، والذي يحتل مكانة أكاديمية دولية مرموقة، ونُوقشت حول فكره ومشروعه النهضوي، وموقفه من التراث والتجديد، عشرات الرسائل العلمية في مختلف جامعات العالم، والذي عمل أستاذاً زائراً بجامعات أمريكا واليابان والمغرب، قد أرتكب خطيئتين كبيرتين في نظر نظام حكم الرئيس مبارك؛ الخطيئة الأولى، عندما وقف في أثناء اللقاء السنوي الذي يعقده الرئيس مبارك مع المثقفين في افتتاح معرض القاهرة للكتاب، وخاطب الرئيس قائلاً: لا تنسى أنك رئيس مصر، وأنك اليوم في مكان أحمس ورمسيس الثاني وعبدالناصر. فاظهر الرئيس عدم ارتياحه، وقال لحسن حنفي هازئا: والسادات لأ. والخطيئة الثانية، أنه طالب الرئيس بضرورة اعتراف الدولة بجماعة الإخوان المسلمين، واستيعابهم في العملية السياسية، وإنهاء حالة الصراع بينهم وبين السلطة. وقد فوجئ الحضور، ومن يشاهد اللقاء عبر التلفزيون، برد فعل الرئيس مبارك، حيث أظهر غضبا ممزوجا بسخرية، وقال: لو عملنا كده، لا أنا ولا أنت السنة الجايه هنكون هنا. فأغلق باب باختصار وحسم، باب الحديث في هذا الموضوع. ومنذ ذلك التاريخ الذي يعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، صار حسن حنفي من المغضوب عليهم في نظر مؤسسة الرئاسة، فلم توجه له الدعوة في إي لقاء لاحق للرئيس مع المثقفين، وتم تجاهله بالتبعية من قبل مؤسسات الإعلام والثقافة الرسمية، وصار حصوله على جائزة أو تكريم من الدولة يدخل في باب المستحيل، في الوقت الذي كرم فيه كثير من بلاد العالم، التي كان يُعامل فيها معاملة كبار الشخصيات. وبالطبع، فلم تنبع وجهة نظر حسن حنفي من جماعة الإخوان، عن ميول فكرية أو تنظيمية لها، فموقفه من الجماعة وعلاقته بها، قد صرح به في سيرته الذاتية الفكرية التي كتبها بعنوان " محاولة مبدئية لسيرة ذاتية "، ولكن عن رغبة في إنهاء حالة الصراع بين الأخوة الأعداء داخل الوطن الواحد. وهي رغبة كانت موجودة لدى كثير من الشخصيات الفكرية والوطنية المرموقة، الذين تعملوا مع الإخوان بوصفهم فصيلا وطنيا، وغاب عنهم النوايا الحقيقة للجماعة، وموقفها المعادي لمشروع الدولة الوطنية الذي تأسس بشرعية ثورة يوليو، وهي النوايا التي ظهرت للعلن بعد ثورة يناير، وتحقق حلمهم التاريخي في حكم مصر. اليوم يتجدد موسم الهجوم على حسن حنفي، ويتعرض لحملة تشهير، ترغب في التقليل من قامته وقيمته كمفكر كبير، لأنه تجرأ في حوار مع برنامج " منارات " على قناة العربية، وقال متحدثا عن الوضع الحالي في مصر: " إن التطرف سيظل قائما طالما أن هناك سجون ومعتقلات وإقصاء للآخر واستبداداً، مشيراً إلى أنه لم يشهد خلال القرن الأخير نظام سياسي يعترف بوجود الآخر أو يحاور خصمه". وهي وجهة نظر تمثل صوت العقل، ودرس التاريخ، ويمكن أن يؤخذ منها ويُرد عليها، دون مهاجمة الرجل، والتقليل من قامته وقيمته، واتهامه في شخصه وعلمه، وبعيداً عن اللجوء إلى الاتهامات الشخصية، والأساليب الإقصائية، وتبني حديث وعقيدة الفرقة الناجية سياسياً، لأنه في كل ما يعبر عنه من آراء يتحدث كمفكر حر، صاحب موقف، يجتهد في التفكير والقراءة والتحليل، ويعبر عن رأيه بشجاعة وتجرد، قل أن تجدهما لدى أشباه الرجال والمتعلمين والمثقفين، ومن يرقص على كل الحبال.