نصر حامد أبو زيد.. "التفكير في زمن التكفير"

كتب: ملاذ الحكيم

نصر حامد أبو زيد.. "التفكير في زمن التكفير"

نصر حامد أبو زيد.. "التفكير في زمن التكفير"

"صوت من المنفى".. لم يكن يعلم المفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد، أن عنوان سيرته الذاتية - التي وصف بها قصة حياته ورحلته الفكرية، في الغُربة التي عاشها في بلاده بعد محاولته لتهشيم الهالة الصماء حول التراث الديني، وأيضًا في بلاد المنفى، بعد هجرته لهولاندا "مرغمًا"، أنها ستحدد خريطة حياته. 13 فصلًا تضمنتها هذه السيرة، لم يتحمل الزمن زيادتهم، فانتهى أمره بعد أن سطّر التاريخ نهايته، باتهامه بالكفر والزندقة. "لا أريد أبدًا أن أعطي انطباعًا بأنني ضد الإسلام، فأنا بعيد عن ذلك، ولا أريد أيضًا أن أعطي انطباعًا بأنني سلمان رشدي جديد، فأنا لست كذلك، إن أسوأ ما أخشاه هو أن يعتبرني الغرب ناقدًا للإسلام، هذه الصورة ليست دقيقة بالمرة، أنا معلم وعالم ومثقف وباحث، دوري هو إنتاج المفاهيم، إنني أتعامل مع القرآن بوصفه نصّا موحى من الله إلى النبي محمد، ذلك النص وصل إلينا بلغة البشر، اللغة العربية". كلمات سطّرها بقلمه قبل أن يرحل في 2012، بعد أن أثار لغطًا شديدًا لهجومه اللاذع على القرآن، واعتبار المشككين في فكره كواحد ضمن كُثر، يهاجمون العقائد ويشككون في الثوابت الدينية الإسلامية. لم يكتف ابن مدينة طنطا، بشهادة دبلوم اللاسلكي؛ بسبب ضيق يد أسرته للإنفاق على تعليمه، ليتحدى هو ذات اليد ويعمل "فني لاسلكي" لفترة تزيد عن 10 سنوات في شبابه، حتى يقوى على تكاليف العلم، ويحصل على الليسانس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة بتقدير امتياز، ليترقى في مراتب الأستاذية، حتى مرتبة الشرف الأولى في قسم الدراسات الإسلامية بالكلية ذاتها. ومن قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، ذاع صيت مؤلفات أبو زيد بسرعة وسط أبناء الوسط الثقافي، لتُحدث مؤلفاته حركة بين الماء الراكد، وضعته مع أول صدام مع لجنة الأبحاث من الأساتذة للحصول على درجة الأستاذية، ليتهمه الدكتور 'عبدالصبور شاهين' في تقريره بالكفر، لتمتد فترة الجدل بينهما لتخرج إلى الإعلام والصحافة من قلب أروقة البحث الأدبي، لتلاحقه الاتهامات بالإلحاد، فيقول عنه الداعية السعودي عبدالرحمن الشهري، ''خرج من مصر مُيمِّمًا وجههُ شطرَ أوروبا، طالبًا الحريَّة الفكرية والسياسية''، لما كان من انتقادات لـ ''أبو زيد'' للفكر الوهابي. لم يرد أبو زيد أن تضم كتبه مجموعة من النظريات الجامدة التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وركّز دومًا على تطبيق قواعد التفكير النقدي والبحث العلمي في مجال الدراسات الإسلامية التي أدمنها لقرون عدة، فألّف "الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية"، وأيضًا "نقد الخطاب الديني"، ثم "البحث عن أقنعة الإرهاب"، فانتهى بكتابي "إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني"، و"التفكير في زمن التكفير". كانت رؤية أبو زيد للدين جُل أزمته، فهو يرى أن نص الدين الأصلي منتج ثقافي، بمعنى أن الله يخاطب البشر وفقاً لثقافتهم، لتكن رؤيته محل نقد وجدال، وكان فقه أبو حنيفة هو وسيلة خصومه للانتقام منه، حيث قاموا باستغلال مبدأ "الحسبة" في الفقه الحنفي الذي تحكم به محاكم الأحوال الشخصية، لتصدر محكمة استئناف القاهرة في عام 1999 حكمًا بتطليق زوجته الدكتورة في الأدب الفرنسي ''ابتهال يونس'' منه، واعتباره مرتدًا عن الإسلام، لما يتضمن أبحاثه ''كفرًا صريحًا فيكون مرتدًا''، ليقضي فترة من عمره مع زوجته في منفاه في هولندا. عمل أبو زيد أستاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة ''لايدن'' بمنفاه في هولندا، ليتوفى في أرض وطنه بعد أسبوعين من قدومه من منفاه، عن عمر ناهز 67 عامًا، بعد صراع طويل مع مرض فيروسي عجز الأطباء عن تشخيصه، ليستمر الجدل حول وفاته، ويدفن في قريته بطنطا.