القانون الرياضي والإدارة الرياضية

يشهد الوسط الرياضى المصرى أزمات رياضية متلاحقة ومتعاقبة، ولا توجد هيئة أو نادٍ رياضى مصرى بمنأى عن هذه الأزمات.

ولا نُغالى إذا قلنا إن العامل المشترك والسبب الأساسى لكل هذه الأزمات هو غياب الوعى بالقوانين واللوائح والأنظمة الرياضية وأحكام محكمة التحكيم الرياضى الدولية (كاس).

وفى اعتقادنا أن غياب الوعى بالقوانين واللوائح والأنظمة الرياضية يعود إلى أسباب عدة، نذكر منها ما يلى:

أولاً: أن القانون الرياضى قانون مختلط، تتنوع مصادره ما بين الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ولوائح الاتحادات.

ثانياً: أن الجانب الأكبر والأهم من القوانين واللوائح والأنظمة الرياضية صادر عن الاتحادات والهيئات الرياضية الدولية باللغة الإنجليزية، ولا توجد ترجمات لها باللغة العربية.

ثالثاً: أن القانون الرياضى لا يجد له مكاناً فى مناهج الدراسة الجامعية بكليات الحقوق والقانون فى الجامعات المصرية والعربية.

وعلى صعيد الدراسات العليا فإن الجهود الرامية إلى استحداث دبلوم للدراسات المتعمّقة فى القانون الرياضى لا تزال ضعيفة ولا تتناسب مع التطور الكبير والهائل فى المنظومة الرياضية ودرجة الاهتمام التى توليها إياها المجتمعات المعاصرة.

وحسناً فعلت بعض كليات القانون المصرية والعربية مؤخراً باستحداث دبلوم دراسات عليا متعمّقة فى القانون الرياضى، ومن هذه الكليات نذكر كلية الحقوق بجامعة القاهرة وكلية الحقوق بجامعة أسيوط وكلية الحقوق بجامعة المنصورة وكلية القانون فى الجامعة الأمريكية بالإمارات - دبى.

وقد سبق أن ناديت بذلك فى مقال لنا منشور بموقع «كنانة أونلاين» فى شهر أكتوبر 2010م.

رابعاً: أن إدارات الشئون القانونية بالأندية المصرية لا تشتمل على العناصر المؤهلة والكوادر ذات الكفاءة والمعرفة الكاملة باللوائح والأنظمة الرياضية الدولية.

خامساً: أن الأندية الرياضية فى العالم العربى تفضّل الاعتماد على بعض المحامين الأوروبيين لتمثيلها فى القضايا المرفوعة ضدها أمام محكمة التحكيم الرياضى الدولية (كاس).

وربما يعود ذلك إلى عدم وجود مكاتب محاماة وطنية متخصّصة فى القانون الرياضى والنزاعات الرياضية.

سادساً: لا توجد دوريات قانونية رياضية متخصّصة فى العالم العربى. وقد كانت البداية فى هذا الشأن بصدور مجلة الرياضة والقانون، التى تصدر عن فرع محكمة التحكيم الرياضى (كاس) - أبوظبى، حيث صدر منها حتى الآن عددان فقط.

جدير بالذكر فى هذا الصدد أن الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) يؤكد -عبر موقعه الرسمى على شبكة الإنترنت- أن الالتزام بمبادئ الحكم الرشيد أمر أساسى لمهمة «فيفا» الاجتماعية الأوسع، وأن الاتحاد بصفته الهيئة الحاكمة لكرة القدم العالمية يلتزم بشدة بمبادئ سيادة القانون والحكم الرشيد والشفافية.

ولذلك، فإن الهيكل التنظيمى للاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) يضم قسماً للشئون القانونية والامتثال، الذى يضطلع بدور رئيسى داخل الاتحاد.

ويقدّم قسم الشئون القانونية والامتثال فى الفيفا جميع أنواع الاستشارات القانونية والمتعلقة بالامتثال لأقسام الفيفا المختلفة ولجميع الهيئات واللجان الداخلية، التى تخضع فى المقام الأول لقوانين ولوائح الفيفا.

ويتولى قسم الشئون القانونية والامتثال فى الفيفا مسئولية الملف القانونية الكامل للفيفا فى القضايا المعروضة على محكمة التحكيم الرياضى الدولية (كاس) أو المحاكم العادية.

ويضم القسم أقساماً فرعية مختلفة، والتى تنقسم بعد ذلك إلى أقسام مختلفة، تغطى الجوانب القانونية وجوانب الامتثال فى الفيفا.

ووفقاً للمعلومات الواردة على موقع (Inside FIFA)، فإن قسم الشئون القانونية والامتثال فى الفيفا يتألف من نحو مائة موظف، 51% منهم من النساء و49% من الرجال، من أكثر من ثلاثين دولة مختلفة.

ويهدف القسم إلى المساهمة فى رؤية الفيفا الجديدة للعبة كرة القدم وحماية نزاهتها وإتاحة فرصة ممارستها للجميع. ويعمل قسم الشئون القانونية والامتثال فى الفيفا من مكتب الفيفا الرئيسى فى ولاية ميامى (396 Alhambra Circle، 33134، Coral Gables، Miami، USA).

جدير بالذكر فى هذا الصدد أن الرئيس الحالى للاتحاد الدولى لكرة القدم، السويسرى جيانى إنفانتينو (Gianni Infantino)‏ درس القانون فى جامعة فرايبورج، وعمل إنفانتينو أميناً عاماً للمركز الدولى للدراسات الرياضية (سى آى إى إس) فى جامعة نيوشاتيل. وبدأ جيانى إنفانتينو العمل مع يويفا (UEFA) فى أغسطس 2000، وعُين مديراً لقسم الشئون القانونية وترخيص الأندية فى يويفا فى يناير 2004، ثم أصبح نائب الأمين العام لليويفا فى عام 2007، وأميناً عاماً لليويفا فى أكتوبر 2009م.

وخلال فترة وجوده هناك، قدم الاتحاد الأوروبى لكرة القدم «اللعب الاقتصادى العادل أو النظيف» وحسن الدعم التجارى للجمعيات الوطنية الصغيرة.

وأثناء عمله مديراً لقسم الشئون القانونية وترخيص الأندية فى الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، قام بنشر الكثير من المقالات عن القضايا القانونية الرياضية والقانون الرياضى، نذكر منها مقاله المنشور عن أحد الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية، بعنوان: Meca-Medina: a step backwards for the European Sports Model and the Specificity of Sport?

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن جيانى إنفانتينو متزوج من اللبنانية لينا الأشقر، ولديه منها أربعة أولاد، ويجيد بطلاقة خمس لغات، هى: الإيطالية والبرتغالية والإسبانية والفرنسية والألمانية.

ويتحدّث إنفانتينو أيضاً الإنجليزية بشكل جيد مع لهجة ثقيلة بعض الشىء، بالإضافة إلى بعض العربية أيضاً. ويمكن بالطبع فهم اهتمامه باللغة العربية من خلال زوجته اللبنانية. وأثناء رئاسته للفيفا، وتحديداً فى الحادى والثلاثين من شهر مارس 2022م، صدر قرار الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) باعتماد «العربية» إحدى اللغات الرسمية له.

وكان الفيفا قد أعلن فى الثامن عشر من ديسمبر 2021م عن وجود مقترح باعتماد العربية كإحدى اللغات الرسمية للفيفا، تزامناً مع الاحتفال بيومها العالمى، وتزامناً كذلك مع ختام منافسات كأس العرب 2021م التى أقيمت للمرة الأولى تحت مظلة الاتحاد الدولى لكرة القدم.

وطبقاً لبيان الفيفا الصادر فى هذا الشأن، فإن هذا القرار يأتى «تقديراً لأهمية اللغة العربية التى يتحدّث بها أكثر من 450 مليون شخص فى أكثر من 20 دولة ناطقة باللغة العربية، إضافة إلى ملايين العرب فى أنحاء العالم».

ويبدو أن هذا القرار هو السبب فى أن الخطاب الصادر عن الفيفا إلى النادى الأهلى المصرى بالمشاركة فى كأس العالم للأندية - فبراير 2023م قد جاء باللغة العربية، خلافاً لما كان عليه الحال فى الأعوام السابقة، حيث كانت كل المخاطبات الصادرة عن الفيفا إلى الهيئات الرياضية العربية مكتوبة باللغة الإنجليزية.

كذلك يمكن فى الوقت الحالى تصفّح الموقع الرسمى للفيفا باللغة العربية.

ومع ذلك، فإن كل الأنظمة الصادرة عن الاتحاد الدولى لكرة القدم ما زالت غير متوافرة باللغة العربية، وينطبق ذلك على لائحة أوضاع انتقالات اللاعبين ولائحة أمن وسلامة الملاعب وغيرها من الأنظمة الصادرة عن الاتحاد الدولى لكرة القدم.

وختاماً، نعتقد أنه من المناسب استغلال فرصة وجود جيانى إنفانتينو على رأس الاتحاد الدولى لكرة القدم فى الدفع ببعض المستشارين القانونيين المؤهلين من الدول العربية للعمل فى قسم الشئون القانونية والامتثال بالاتحاد الدولى لكرة القدم، وكذا الدفع باتجاه ترجمة اللوائح والأنظمة الصادرة عن الاتحاد الدولى لكرة القدم إلى اللغة العربية.