عظماء مصر.. «نصار» عالم الاقتصاد الزراعي
كان يتمنى أن يكون طبيباً، ولكنه أصبح أحد أهم علماء الاقتصاد الزراعي فى مصر والوطن العربى، كان يسير على قدميه 14 كيلو يومياً من وإلى أقرب مدرسة لقريته خلال مراحل تعليمه الابتدائى والإعدادى فى محافظة الشرقية، حيث نشأ فى قرية نبتيت مركز مشتول وحفظ القرآن فى كُتاب القرية وتعلم فى المدارس الحكومية وحصل على المرتبة الأولى من كلية الزراعة جامعة عين شمس.
عمل فى جامعات عين شمس والقاهرة والمنيا والفيوم ومعهد التخطيط القومى ووزارتى الزراعة والتخطيط والمعهد العربى للتخطيط بالكويت، وتولى العديد من المناصب العلمية والأكاديمية والقيادية، منها عميداً لكلية الزراعة جامعة القاهرة فرع الفيوم، ورئيساً لمركز البحوث الزراعية، ومحافظاً للفيوم، ومستشاراً لوزير الزراعة لمدة 30 سنة.
وحصل على جوائز كثيرة، محلية وعربية ودولية، منها جائزة النيل أعلى وسام وتكريم علمى مصرى، كما أشرف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه، وقام بتمثيل مصر فى كثير من المحافل الدولية، وهو صاحب خبرات كثيرة ومتعددة، وشارك فى كل الأحداث الوطنية، وهو عضو بمعظم اللجان والمجالس العلمية، عفيف اللسان يتمتع بأدب جم وتواضع العلماء الرفيع، إنه العالم الدكتور سعد نصار، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة ورئيس الجمعيتين المصرية والعربية للاقتصاديين الزراعيين ونائب رئيس المجمع العلمى المصرى.
«د. سعد نصار» من القلائل الذين تولوا مناصب قيادية وعملية بجانب عمله النظرى كأستاذ جامعى مرموق، وحكى لى كيف تغير مسار حياته عدة مرات، أولها يوم ركوبه الترماى خطأ وعدم الالتحاق بامتحان الثانوية العامة فى مادة الرياضيات سنة 1957، وبالتالى ضياع عشرين درجة عليه وضاعت منه كلية الطب واضطر إلى الالتحاق بكلية الزراعة بناء على نصيحة والده الرجل الفلاح البسيط الذى قال له «ممكن تدخل طب وتبقى طبيب فاشل وممكن تدخل زراعة وتكون أستاذ جامعة ناجح».
كما تغير مسار حياته مرة أخرى حينما التقى بالإذاعية القديرة الراحلة آمال فهمى فى برنامج «على الناصية» عام 1961 بعد استبعاده من التعيين معيداً فى الجامعة وكيف استعاد حقوقه بعد التسجيل فى البرنامج الأشهر حينذاك، كما حكى لى أيضاً كيف تغير مسار حياته من جامعة عين شمس إلى وزارة الزراعة، ثم معهد التخطيط العربى، ثم العودة إلى الوزارة، ثم إلى جامعة المنيا، ثم جامعة الفيوم، حيث تولى عمادتها لمدة خمس دورات متالية فى سابقة لم ولن تحدث فى الجامعات المصرية، ثم تولى منصب نائب رئيس جامعة القاهرة، وكيف أقنعه وزير الزراعة حينذاك د. يوسف والى بالعودة للوزارة وترك الجامعة حتى يتولى رئاسة مركز البحوث الزراعية بقرار جمهورى ويكون أول رئيس من خارج المركز وبسببه يتم تغيير قانون شغل المنصب.
«د. نصار» قام بتوثيق مشوار حياته فى كتاب يحمل عنوان «تغيير المسار»، وهو يختصر رحلته الطويلة مع الخبرات والمناصب فى كلمات بسيطة، وهى أنه لا يضيع حق وراءه مُطالب، وأن التفوق والتميز ليس فى الهجرة خارج الوطن ولا هو مقصور على مجال معين، ولكن يتحقق بالتفانى فى العمل والكفاح داخل الوطن، وقمة السعادة فى الارتباط بالنشأة والجذور.
«نصار» يؤمن بأن البحث العلمى هو الحل السحرى لمواجهة جميع المشكلات والتحديات، وكذلك تحقيق التنمية والتقدم، خاصة فى المجال الزراعى والأمن الغذائى فى ظل ظروف دولة مثل مصر تعانى من محدودية الموارد الطبيعية والمياه.
«د. سعد نصار» لم ينسَ فضل قريته، مسقط رأسه فى محافظة الشرقية، عليه حيث أسهم مع أهله فى توصيل وإقامة جميع المشروعات فيها، وكذلك الخدمات والمرافق التي كانت محرومة منها.
«نصار»، صاحب الـ82 عاماً، ما زال يعمل مهموماً بوطنه ويحلم بتقدمه، ونحن نقدمه كقدوة طيبة يُحتذى بها لشبابنا فى العلم والعمل والأخلاق والأعمال الجادة النافعة للمجتمع، بارك الله فى عمره وعلمه وعمله ومتعه بالصحة والرضا.