اغتيال واستشهاد النائب العام

كنت قد كتبت مقالاً عن مواطن مصرى مريض بالقلب والضغط والسكر، ولا يجد الدواء، الذى قررت الدولة علاجه على نفقتها، وصرف الدواء له بالمجان. جاء استشهاد النائب العام لأكتب مقالاً آخر على عجل، مما يحتم تأجيل ذلك المقال إلى الأسبوع المقبل بمشيئته تعالى. جريمة اغتيال بشعة، دليل إجرام وإرهاب، قد تشير إلى مخططات داخلية أو خارجية أو إلى كليهما، هذا هو الجانب الأسود. أما الجانب الأزهر، فهو منحة استشهاد محامى الشعب كله، لذلك شعر الشعب بالحزن والغم والعجز أحياناً، والقصور أحياناً أخرى. أدعو الله تعالى أن يتقبل جميع شهدائنا فى رحمته وفى جنته، وعزائى لأسر الشهداء جميعاً ودعائى للمصابين بالشفاء العاجل. وبهذه المناسبة الأليمة لنا جميعاً، إلا الشهيد نفسه، فهو فى الجنة برحمة الله ومشيئته، أريد أن أشكر كل من يسهم فى محاربة الإرهاب والإرهابيين من رجال الأمن والقوات المسلحة والمفكرين والعلماء، خصوصاً، وفى الوقت نفسه، أذكر الجميع هنا وبهذه المناسبة، بثلاث نقاط، فضلاً عن الإدانة والشجب ومقتضياتهما. النقطة الأولى أسئلة مطروحة والبقية مقترحات. أولاً: كيف علم هؤلاء الإرهابيون بالموكب وموعده؟ وكيف رصدوا تحركات الشهيد النائب العام بهذه الدقة؟ وكيف وضعوا تلك الكمية الكبيرة من المتفجرات فى تلك السيارة المشئومة، وفروا آمنين من غضب الشعب، إلا أنهم لن يفروا من غضب الله؟ أسئلة مشروعة يحتاج الشعب فيها إلى توضيح صادق. ثانياً: لا بد من التفوق على الإرهابيين -كما قلت سابقاً مراراً وتكراراً- خصوصاً فى أربعة مجالات هى المعلومات، والتدريب، والتقنية، والآليات، وما يستتبع ذلك ومقتضياته؟ صحيح قد يتطلب ذلك أموالاً إضافية من دولة ضربها الفساد طويلاً، وتم تجريفها لعدة عقود، لكن الأمن والأمان والاستقرار مدعاة للتقدم والخروج من التخلف، ويهون أمام ذلك كل غالٍٍ ونفيس. ثالثاً: ينبغى النظر فى الاستراتيجية المطبقة إن كانت هناك استراتيجية واضحة لمواجهة الإرهاب، وينبغى تطوير الاستراتيجية أو وضع استراتيجية جديدة تسعى إلى تفعيل كل طاقات الشعب فى هذه الحرب العنيفة مع الإرهاب، حفاظاً على الوطن وتجنّباً للمصير البشع الذى سقطت فيه دول عربية قبلنا لم تخرج منه بعد، وكذلك تفادياً لتشويه صورة مصر فى الخارج وإبرازها على أنها عاجزة عن مواجهة الإرهاب حتى لا يطمع الطامعون، فى مصر. كما ينبغى تفعيل دور الشعب كله، والمؤسسات المعنية فى هذه الحرب، بما فى ذلك دور الأزهر، ودور الإعلام، ودور القضاء، ودور الجامعات، ودور المفكرين، والمثقفين، ودور قصور الثقافة -التى نراها متاحف- ودور السينما والمسرح ودور الأحزاب السياسية، ودور منظمات المجتمع المدنى، ودور الشعب بكامله فى هذه «الحرب الشنيعة». دون أن تقتصر الاستراتيجية على الحل الأمنى فقط والله يتقبل الشهداء فى هذا الشهر المبارك، وينصر مصر على هذا الإرهاب الأسود. أخشى ما أخشاه من استمرار أو زيادة هذا الإرهاب، ما ذكرته منذ 13/3/2013 على التلفاز مع الإعلامية جيهان منصور أيام «مرسى»، وكتبته ونُشر يوم 15/3/2012، تحت عنوان: السيناريوهات الأربعة المتوقعة فى مصر، أخشى ما أخشاه، هو إشاعة الفوضى وانتشار العمليات الإرهابية، فيتخذ الغرب ذلك السيناريو الرابع، ذريعة للتدخل المباشر فى مصر بعد أن عجز عن ذلك بالوسائل الأخرى، هذا السيناريو الأسوأ هو أن يتذرّع الغرب بقيادة أمريكا بأن مصر غير قادرة على مواجهة الإرهاب ويتطوع، كما تزعم، لحماية مصر. وهدفها المعروف هو مصالحها، وأمن إسرائيل فقط. وأخيراً، فإن بعض المسئولين يؤكدون وراء كل حادث أليم أنهم على استعداد للتضحية بأرواحهم مما يدل أحياناً على قوة العاطفة، وهذا جميل من أجل مصر، ولكن الأهم من هذا والأجمل، أن يتخذ كل المسئولين الوسائل التى تؤكد النصر على الإرهابيين فى هذا الصراع الأليم، وتخليص مصر من الإرهاب كله، وتجنُّب إزهاق الأرواح دون بذلها فى سبيل الله، أو فى سبيل الوطن إلا بحقها. والله الموفق..