مصر والسعودية وبينهما «ربع» العالم

لا يزال متانة وعمق العلاقات بين مصر والسعودية لغزاً محيراً يُزعج الكثير من المتربّصين الذين يقتاتون على المشكلات، ويزيد من حضورهم الشقاق والخلاف، هؤلاء الذين لا تجدهم عند الوفاق، ولا تسمع لهم صوتاً عندما تتجلى الشراكة الاقتصادية وتُثمر المشروعات والاتفاقات، ويسود التناغم السياسى الذى يجعل جهود البلدين المشتركة تصب فى صالح الشعبين وشعوب المنطقة بأثرها.

إن لقاء الزعيمين الكبيرين عبدالفتاح السيسى ومحمد بن سلمان، حدث استثنائى يعول عليه فى تحقيق دفعة قوية على مستوى العلاقة المشتركة بين مصر والسعودية، فهذه اللقاءات تُنشط شرايين العلاقة بين البلدين وتجدّد حيويتها، وتُسهم فى حلحلة أىٍّ من الأمور العالقة فى مسار تقدّمها، لهذا يحرص القائدان المصرى والسعودى على الزيارات المتبادلة، التى تجمع وفوداً من الوزراء ورجال الأعمال وكبار رجال الحكم فى البلدين.

ومن المهم الإلمام الجيد بتاريخ العلاقة بين البلدين عند التصدى للحديث عن «مصر والسعودية»، لأن ماضى العلاقة ينعكس على حاضرها ويؤثر فى مستقبلها، فهى العلاقة الأخطر بمنطقة الشرق الأوسط، بل حجر زاوية فى أمن واستقرار العالم أجمع.

لهذا لا أتفق مع اختزال بعض الباحثين والمهتمين بالشأن العربى، فى أن العلاقة بين مصر والسعودية ركيزة للأمن القومى العربى فقط، أو أنها محورية لضمان استقرار المنطقة، وظنى أن الغرب فطن إلى ما هو أوسع من هذا السياق الإقليمى فى التأثير، الذى نُردّده عربياً، وأدرك عمق الهيمنة الروحية للقطبين الإسلاميين على ربع سكان العالم من المسلمين، والعودة إلى الوثائق السرية التى يفرج عنها كل حين فى بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، قد تفتح لنا آفاق الرؤية، وتجعلنا نُفكر جيداً فى قيمة هذه العلاقة بين البلدين ومدى تفاعل العالم معها، لأن هذا الارتباط محورى فى فهم مؤشرات الصعود والهبوط فى مسار العلاقة.

وما بين «السعودية ومصر علاقة ممتدة لم تخلُ من محطات مد وجزر»، كما يصفها موقع «إندبندنت عربية»، الذى استبق زيارة قام بها ولى العهد السعودى إلى مصر قبل عامين، وأضاف موضحاً: «مثّلت الأزمات الكبرى بين البلدين اختباراً قوياً لمتانة العلاقات المشتركة، ويميل الجانبان إلى زيادة وتيرة التعاون والتنسيق، الأمر الذى ثبتت فاعليته فى مناسبات متعدّدة، أبرزها حرب أكتوبر 1973».

ويسرد الموقع السعودى تاريخ العلاقة بين البلدين، ورغم تجاهله وقائع تاريخية مؤثرة تعبّر عن مواقف مصر الداعمة للمملكة منذ عهد الملك المؤسس، إلا أنه خلص إلى نتيجة مهمة (أتفق معه فيها) تعكس الواقع وتقودنا إلى المستقبل، حيث أكد أنه فى السنوات الأخيرة: «ارتقت العلاقات الثنائية بين السعودية ومصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودى - المصرى، وإبرام حكومتى البلدين نحو 70 اتفاقية وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.. وتبقى العلاقات السعودية - المصرية ثابتة وصامدة، لأنها واجهت عقبات التاريخ الطويل الذى جمع بين البلدين، وحصّنت نفسها من أى خلافات قد تشوبها أو تعترضها مستقبلاً».

إن ما بين الشعبين المصرى والسعودى رباط أخوى تاريخى مقدس.. وما بين البلدين أكبر.. ومصالحهما المشتركة أعقد، وقد وصفت عمق العلاقة فى مقال سابق نشرته فى صحيفة «المصرى اليوم» سنة 2017، وذكرت فيه أن «المتأمل الجيد للعلاقات المصرية - السعودية سيشعر بأنها تتشابه إلى حد كبير مع قصة (التوأم السيامى). وعلاقة التوأم الملتصق مربكة لطرفيها، فهى علاقة قَدَريّة أكثر منها اختيارية، وهى علاقة أبدية تستدعى التنسيق المستمر كى يتمكن الطرفان من العيش المشترك دون أن تطغى رغبة أحدهما على الآخر، وتتطلب دوماً أن يحرص كل طرف فى حركته حتى لا يؤذى توأمه بحركة فجائية، وهى أيضاً تستلزم تفهّماً لاحتياجات ورغبات كل طرف واحتراماً لحقه فى الخصوصية. وعلى كل من يريد أن يتعامل مع ملف العلاقة بين البلدين تفهّم الفكرة السابقة وتخيّل تفاصيلها؛ فعندما تخيّم على العلاقة بين مصر والسعودية سحابة صيف عابرة، أو سحابة شتاء ثقيلة، فى كل الأحوال تُستأنَف الحياة بين الشقيقين. فلا عيش لأى منهما دون الآخر».

إن أهمية العلاقة بين الأشقاء العرب تستدعى الحرص الدائم على تفاصيلها، بتنشيط مفاصلها، وتجديد أواصرها، وتحديد أولوياتها بين الحين والآخر، وانتقاء الإيجابى من تاريخها ليصبح عنواناً لمستقبلها.