م الآخر| في رثاء النائب العام: الوطن ليس قطعة لحم!

م الآخر| في رثاء النائب العام: الوطن ليس قطعة لحم!
لمعت عيناه ثم ارتعش، ثم انتشى بالوداع، أغمض عينيه على وطن جريح وفي قلبه ألف رصاصة غادرة، أغمضها بعد أن أيقن تماما أن الأمل باق في قلوب من حاولوا إسعافه، ومن انتحبوا لأجله، ومن حملوا جثمانه إلى حيث يحظى ببقية حياة خالية من الترويع والترقب والفزع والجوع.
خرج حاويا في قلبه ملفات وطن، يدرسها في عقله بعناية فيلسوف وضمير قاض.. يقلبها ذات اليمين وذات الشمال، وهم البلاد باسط يديه بينها، فصادفته سهام الحاقدين جميعا، وحراب الناقمين جميعا، كأنه وحده يتحمل وزر "مآسيهم"، ويدير اللعبة التي أطاحت بهم من فوق العرش.. كأنما هو بالذات، رغم إيمانه بحقيقة العدل، من يستحق إشارة "ذبح" لأحلامه وإشارة "طمس" لحقائقه الساكنة قلبه وأدراج مكتبه.
"إن إلى ربك الرجعى" أيها النائب العام، كأنك حلمت يوما ببلد خاو من الظلم فسقطت صريعا بمقصلة "المغرر بهم"، وكأنك ما كنت يوما تنصف المعذبين منهم، وتبحث عن حق اليائسين فيهم، "خوفونا .. من عذاب الله إن نحن عشقنا (تراب الأرض)، هددونا .. بالسكاكين إذا نحن حلمنا (بوطن أبهى ضيّا)"، لكنك لم تخف ولم تتهدد فكان جزاءك لقاء الله في شهر كريم، نحسبك من المغفور لهم فيه.
ها وقد أنهيت شيئا يسيرا من رثاء الرجل المسن، الذي استشهد مدفوعا بضمير، بقي أن أذكر سائر المسنين أن الوطن ليس قطعة من اللحم، نسلق بعضها إذا جعنا ونلقي بعضها إلى الكلاب إذا نبحت خلفنا.. الوطن قطعا متراصة بإحكام مِن أجساد مَن بنوه، صرحا بنته "لبِنات" من بذلوا فيه عرقا أغلى من حصائد ألسنتكم المتوعدة برد الحق كذبا، أرضنا هي عشقنا وعذاباتنا، ومنتهى أحلامنا، فلا تعذبونا بوعود الثأر الزائفة، وكونوا إلى العدل مطية، إن استطعتم، أو اتركوا لنا وطننا.
من الظلم أن نتحدث في ميكروفونات دفع ثمنها الشعب، بشعارات رخيصة، ونسكت عن حق المكلومين منهم بعدها تخاذلا، من السفه أن نتحدث عن الثأر وفي نيتنا أن ننام ملء الجفون بعد الحديث.. عامان دون حساب لمن فشلوا في وقف ما يسمونه بـ"الإرهاب الفاشل الجبان"، والعجيب أنه رغم فشله وجبنه، كما يسمونه هم أنفسهم، ينجح في إثارة فزع أهل البلد، وهم يسقطون في دوامة البحث عن الردع، ولا جديد!.
المرحلة فارقة بحق، والرئيس، الذي زهد السلطة كثيرا، وجد نفسه، بعد تقلده منصبه برغبة شعبية، محاطا بحاشية لا تجيد إلا إسقاط الرؤساء، وأصبح عليه أن يتعجل صوت القصاص في نفسه، وأن ينسلخ من عباءة نظام قديم قد يخلف عليه فشلا تنأى به، عصبة كبيرة من المصريين، عنه.