الأطباء والإدارة.. فجوات المعرفة!

طبيب شاب يحكى لى أنه رسب أكثر من مرة فى اختبار المعادلة الذى يحتاج كل طبيب إلى اجتيازه للعمل فى إحدى الدول العربية.. ويسألنى إن كنت أعرف مكاناً يدرب الأطباء على اجتياز هذا الاختبار.

يقول الطبيب الشاب إن الأسئلة فى معظمها لا علاقة لها بالطب.. وإن معظمها يدور حول علاقة الطبيب بالمريض فى إطار القوانين الحاكمة لكليهما.. وكيفية شرح الإجراء الطبى للمريض وكتابة «الإقرار» قبل العمليات الجراحية.. والتعامل مع المواقف المختلفة فى هذا الإطار.. وهو أمر لا خبرة له به على الإطلاق!!

المشكلة الرئيسية التى يعانى منها كل طبيب فى مصر هى جهله بالقوانين الحاكمة لعمله.. فهو يفترض أنه لا يحتاج لمعرفتها من الأساس.. كما لا يتم تدريس الإدارة الطبية أو إدارة المستشفيات أو حتى كيفية شرح العمليات الجراحية للمرضى وكتابة «الإقرار» الذى يُفترض أن يوقع عليه المريض قبلها.

الأمر الذى يخلق مشكلات لا حصر لها لكل الأطباء عامة والشباب منهم على وجه الخصوص.. معظم الشكاوى التى تقدَّم ضد الأطباء سببها الأساسى أن الطبيب لم يشرح لمريضه المضاعفات المحتملة قبل العملية الجراحية التى أجراها له.. أو أنه لم يتبع الإجراءات القانونية مع حالة طبية معينة.. هناك صديق يعانى من اتهام بسرقة كلية من مريض لأنه استأصلها أثناء إجراء جراحة لإنقاذ حياته ولكن دون أن يجعله يوقع على إقرار بهذا الاستئصال قبل الجراحة..!

الأمر لا يتوقف عند مرحلة «التدقيق الطبى» فقط.. فالجهل بإداريات الطب يخلق مشكلات كثيرة أيضاً.. أعرف طبيباً يواجه اتهاماً بالاختلاس أمام الشئون القانونية بالوزارة منذ فترة فى عهدة وحدته الصحية لأنه كان يستخدم المستهلك الطبى مع المرضى دون أن يدون ذلك على التذاكر الخاصة بهم بانتظام.. كما أذكر تلك الطبيبة الشابة التى قدمت طلباً بتوفير أحد أصناف الدواء بالمستشفى الذى تعمل به لاحتياج المرضى له.. وبعد أن تمت الموافقة على الطلب لم ترسله لإدارة المشتريات ووضعت الورقة فى جيبها وانتظرت أن يأتى الدواء دون جدوى.

الطريف أن الكثير من الأطباء «يترفعون» عن تعلم تلك الأشياء.. ويفترضون أنها أمور لا تتعلق بعملهم بالمرة.. فهم يتصورون أن للطبيب قدسية خاصة.. تجعله يأمر فيطاع دون نقاش.. ولا يبذل الجهد لشرح ما فى ذهنه لمن حوله.. قدسية لا يصلح معها كتابة الطلبات واستكمال الأوراق.

الأمر غير صحيح بالمرة.. فالطبيب مهنى يحمل فى توصيفه الوظيفى الكثير من الأعمال الإدارية التى تخدم مهنته.. والتى ينبغى أن يتعلمها، بالإضافة إلى فنيات العمل نفسه.. ولكن لأنه لا يتم تدريس تلك الأمور فى كليات الطب فى مصر بشكل منظم وأكاديمى -على الرغم من أنها مادة أساسية فى شهادات الطب على مستوى العالم كله- يفترض الأطباء أنها غير مهمة لهم!!

يعانى التعليم الطبى منذ زمن ليس بالقليل فى مصر من الكثير من السلبيات.. كنت أتمنى أن تتم إضافة مادة لتعليم كيفية التعامل مع المرضى فى المواقف المختلفة.. ومادة تتيح للطبيب التعرف على مبادئ إدارة الوحدات الطبية والمستشفيات فى نظام الدراسة الجديد بكليات الطب الذى تم إقراره منذ سنوات.

الأمر سيعود على الطلبة بالنفع الشديد بعد التخرج.. وسيمنحهم الخطوة الأولى التى يحتاجونها للتعامل الإدارى مع أقسام المستشفى المختلفة.. الأمر الذى سيعود بالنفع على الجميع.

إن علاج أزمات الجهل الإدارى للأطباء وتدريبهم على التعامل مع المرضى بشكل تحكمه القوانين المنظمة هو أمر لا يقل أهمية عن تعلم الطب ذاته.. أو هكذا أعتقد..!