الفتوى وبناء الإنسان
«عندما أعدت بناء الإنسان أعدت بناء العالم»، لم تكن تلك المقولة عفوية للكاتب الشهير «باولو كويلو»، بل كانت حالة واقعية، فلا تقاس حضارات الدول ببنائها وثرواتها، وإنما باهتمامها ببناء الانسان، فهو الركيزة الأساسية في مسيرة الحياة، واستمرارية الحضارة، صحيح أن بناء الإنسان هو المهمة الأكثر مشقة فى بناء الأوطان والحضارات، لكنه الوسيلة الأهم للإنتاج والإبداع، ومن ينظر لتجارب دول العالم يدرك حقيقة ذلك، فاليابان نموذجًا حضاريًا في مجال إعادة بناء الإنسان، فرغم الحطام الذي تسببت فيه الحروب، إلا أنها نهضت وتطورت ليس بثرواتها المادية بل بإعادة بناء ذلك الإنسان.
اليوم، وما نراه حاضرًا ومثالاً على تطبيق ذلك، المبادرة الرئاسية لبناء الإنسان، تلك المبادرة التي مثلت خطوة مهمة لتمكين الأفراد وتعزيز دورهم فى بناء المجتمع، والتي جائت لتؤكد علي إيمان القيادة السياسية بالمواطن المصري وقدراته واعتباره ثروة الوطن المتجددة، فهناك رؤية استراتيجية متكاملة الأركان لتلك المبادرة، تشمل تعزيز الانتماء، وتحقيق العدالة الإجتماعية والثقافية، جنبًا إلى جنب مع تنفيذ مشروعات التنمية وتحسين المنظومة المجتمعية، وتحقيق التنمية المستدامة التي يتطلع إليها الإنسان المصري، تضافرت جهود مؤسسات الدولة لتطبيقها، مستهدفة بناء أجيال جديدة واعية ولديها أفكار متطورة وقادرة على القيادة وإتاحة الفرصة على مختلف الأصعدة.
علي مدار أكثر من 6 ساعات، شرفت بمشاركة دار الإفتاء المصرية في ندوتها بعنوان «الفتوى وبناء الإنسان» تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء، وبحضور عدد كبير من علماء الأزهر الشريف وكبار رجال الإعلام والفكر ومنظمات المجتمع المدني، استهدفت الدار من تلك الندوة وضح تصور لتأثير الفتوى على جهود بناء الإنسان، واستكشاف دَور الفتوى في تشكيل شخصية الفرد وبناء مجتمع قوي.
تلي تلك الندورة جلسة نقاشية شملت حوارات علمية مستفيضة وحلقات نقاشية جمعت نخبة من العلماء والمفكرين والإعلاميين، فكانت كمنصة للعصف الذهني لتوليد أفكار ومقترحات تهدُف إلى وضع رؤية تكاملية بين المدارس الفكرية وخارطة عمل تُسهم في بناء الإنسان المعاصر، قادها فضيلة مفتي الديار المصرية الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد.
تُعد تلك الندوة تصور واقعي لتطبيق المبادرة الرئاسية، ونقطة فارقة ومضيئة لنصل إلى خارطة عمل لبناء الإنسان، في ظل حرص القيادة السياسية على إحداث تغييرات نوعية وبناء الإنسان المصري، أري أن دار الإفتاء سعت من تلك الندوة للوصول إلى خريطة شاملة لما ينبغي عمله لبناء إنسان عصري يعرف ما عليه من حقوق وما له من واجبات، ويستطيع أن يميز بين الطيب والخبيث، ولديه الوعي ليميز بين الفتاوى الرشيدة التي يعوَّل عليها في بناء رؤية واقعية تُسهم في حماية الأوطان، وغيرها من الفتاوى الشاذة التي لها تأثير سلبي على جهود التنمية، وظني أن هذه الجلسة هي مقدمة لتنفيذ عملي للمقترحات التي تم تقديمها لتعزيز وعي الأفراد بالفتاوى الرشيدة التي تدعم التنمية الوطنية، والتمييز بينها وبين الفتاوى التي تعوق هذه الجهود.
فكل التحية والتقدير لدار الإفتاء المصرية بقيادة الأستاذ الدكتور نظير عياد علي تلك المشاركة الفاعلة، ونبارك لنجاح الندوة في تحقيق أهدافها المرجوة، وندعو الله عز وجل أن تكون خير بداية لعهد فضيلته، وصدق الدكتور إبراهيم نجم الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء ومستشار فضيلة المفتي الأمين، حيث قال إن «دار الإفتاء قصة نجاح»، فدائماً ما نري الخير في تلك الدار المباركة وجاهزتها للانخراط المؤسسي في كل البرامج التي من شأنها الحفاظ على الإنسان المصري واستعادة دوره في الإسهام الحضاري والعمراني في العالم.