تفاصيل الأزمة بين الجنزورى والإخوان
![تفاصيل الأزمة بين الجنزورى والإخوان](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/365778_Large_20150629121755_72.jpg)
بعد مذبحة بورسعيد.. المشير يلتقى بوفد من البرلمان.. ويؤكد: لن نسمح بسقوط الشرطة مرة أخرى
المرشد يرد على رسالة الجنزورى: ليس أمامك سوى الاستقالة.. والجنزورى: الشاطر وافق على قرض صندوق النقد ثم فوجئت بمعارضة الإخوان
فى الحلقة السادسة من كتاب «لغز المشير» الذى سيصدر قريباً عن الدار المصرية اللبنانية للكاتب الصحفى مصطفى بكرى يتعرض المؤلف فى هذه الحلقة لتفاصيل اللقاء الذى جرى بين المشير طنطاوى ووفد من مجلس الشعب برئاسة سعد الكتاتنى فى أعقاب حادث بورسعيد الذى راح ضحيته 73 شهيداً ومئات الجرحى..
ويتناول المؤلف أبعاد الأزمة التى وقعت بين نواب الإخوان فى البرلمان، وبين حكومة الجنزورى، وتفاصيل اللقاء الذى جرى بين الجنزورى والكتاتنى بحضور رئيس الأركان سامى عنان.
ويكشف المؤلف عن تفاصيل الرسالة التى حملها من الجنزورى إلى المرشد العام لجماعة الإخوان ورد المرشد عليها ورفض الجنزورى تقديم استقالته إلى البرلمان أو المجلس العسكرى.
فى مساء يوم الأربعاء الأول من فبراير 2012، شهدت مدينة بورسعيد حدثاً خطيراً فى أعقاب مباراة كرة القدم التى جرت بين فريق النادى الأهلى وفريق النادى المصرى، راح ضحيته نحو 73 شهيداً ومئات الجرحى الآخرين.
كان الحدث جللاً، لقد اهتز الوجدان المصرى، وسادت حالة من الحزن والغضب كافة الأوساط الرسمية والشعبية، أدرك المشير طنطاوى أن ما جرى هو حلقة جديدة فى إطار مؤامرة السعى إلى إسقاط الدولة.
أسرع الإخوان بتوجيه الاتهام إلى فلول نظام مبارك والشرطة وتراخى القوات المسلحة، وقال عصام العريان عضو مكتب إرشاد الجماعة نائب رئيس حزب الحرية والعدالة «إن أحداث بورسعيد مدبرة، وهى رسالة من فلول النظام البائد، سببها الإهمال والغياب المتعمد من الجيش والشرطة لإيصال إشارات ورسائل محددة، يتحمل مسئوليتها المسئولون حالياً عن إدارة البلاد».[FirstQuote]
فى هذا الوقت عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اجتماعاً طارئاً صباح الخميس لمناقشة هذه الأحداث، وكانت المعلومات تشير فى هذا الوقت إلى أن هناك طرفاً خفياً افتعل الأحداث، وأعد لها جيداً، وتم استغلال حالة الاحتقان لتنفيذ هذا المخطط، بهدف وضع الجيش والشرطة فى موضع الاتهام، وإجبار المجلس الأعلى على تسليم السلطة سريعاً حتى يتمكن الإخوان من إدارة شئون البلاد.
لم تكن هناك معلومات ودلائل دامغة، تدفع المجلس العسكرى لإعلان هذا الموقف، لكن كلمات المشير طنطاوى فى هذا الوقت كانت تؤكد ذلك، لقد قال فى بيانه «لن نترك أولئك الذين كانوا وراء هذه الأعمال، وإذا كان هناك من يخطط لعدم الاستقرار فى مصر فلن ينجح لأن الشعب يعرف المسئولين عما جرى ولا يجب أن يتركهم». كانت كلمات المشير تعنى الكثير، وكانت المعلومات التى لديه تعطى إشارات واضحة، وكان يعرف أن الهدف هو إجباره على الاستقالة.
![](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/medium/365780_Large_20150629121832_72.jpg)
طنطاوى
فى هذا الوقت دعا د.سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب إلى عقد جلسة للمجلس بعد ظهر يوم الخميس 2 فبراير، وكان واضحاً منذ البداية أن هناك مخططاً للتحريض ضد وزارة الداخلية والمجلس العسكرى، حيث تقدم النائب عصام العريان بطلب يحمل توقيع 143 نائباً لتوجيه الاتهام إلى وزير الداخلية بالتقصير والإهمال وعدم قيامه بواجبه فى حفظ الأمن، الأمر الذى أدى إلى وقوع المجزرة.
ودعا عدد من النواب إلى القبض على قيادات وزارة الداخلية فى مقدمتهم الوزير محمد إبراهيم، بينما حمّل البعض المجلس العسكرى المسئولية عن هذه الأحداث وطالب بإقالة حكومة الجنزورى. عاشت البلاد فى هذه الفترة حالة من التوتر والانقسام أعادتنا مرة أخرى إلى الأيام التى تلت ثورة 25 يناير.
فى هذا الوقت طلب المشير حسين طنطاوى من الفريق سامى عنان دعوة وفد من مجلس الشعب إلى اللقاء معه لبحث تداعيات الأحداث فى البلاد وسبل احتوائها..
فى هذا الوقت حدثنى الدكتور سعد الكتاتنى وقال إن هناك لقاءً مع المشير طنطاوى وإن هيئة المكتب اختارت عدداً من رؤساء اللجان وبعض ممثلى الهيئات البرلمانية للأحزاب واختيارك أنت بصفتك ممثل المستقلين باللجنة العامة للمجلس.
وبالفعل فى الحادية عشرة من صباح اليوم التالى الرابع عشر من فبراير عام 2012 تم عقد اللقاء بالصالون الملحق بمكتب المشير طنطاوى بوزارة الدفاع بحضور د.سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب وأشرف ثابت وكيل المجلس وحسين إبراهيم «ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة» ود. عصام العريان «رئيس لجنة العلاقات الخارجية»، ود.محمود السقا «رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد»، واللواء عباس مخيمر «رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى»، مصطفى بكرى «ممثل المستقلين باللجنة العامة بالمجلس». وقد حضر اللقاء المشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان واللواء ممدوح شاهين واللواء محمد العصار عضو المجلس العسكرى.
تحدث المشير فى البداية، وبدا لنا مهموماً بالأحداث التى تشهدها البلاد وآخرها حادث بورسعيد وقال «أنا أتابع جلسات مجلس الشعب، وأتابع أيضاً ما ينشر فى وسائل الإعلام المختلفة، وأشعر أن كثيراً من الحقائق غائبة، وأن هناك من يتعامل مع الأحداث بطريقة تدفع إلى إثارة الرأى العام، وأنتم تعرفون أن البلد مستهدف، وأن هناك من يتربص، وأن ما حدث فى بورسعيد هو تأكيد جديد على أن البعض لا يريد أن يترك البلاد تمضى إلى الأمام، بل يحاولون جرنا إلى الخلف، دون مراعاة للمخاطر المحيطة بنا من كل اتجاه. هنا تدخل الدكتور سعد الكتاتنى وبعد أن أعرب عن شكره وتقديره لهذه الدعوة، قال: هناك أمور كثيرة تجرى فى البلاد، نحتاج فيها إلى التواصل ومعرفة التفاصيل ومن بين هذه الأحداث حادث بورسعيد وممارسات الداخلية وبعض ما يثار حول تسليم السلطة.
قال المشير طنطاوى: نحن نعمل فى ظروف بالغة الصعوبة، والبرلمان شريك فى السلطة، ونحن تحملنا طيلة الفترة الماضية أعباء كثيرة، ولكننا مصممون على الوفاء بكافة التزاماتنا، لقد تعهدت أكثر من مرة بأن القوات المسلحة سوف تسلم السلطة فى 30 يونيو المقبل، ورفضنا أية محاولة لتأجيل انتخابات مجلسى الشعب والشورى.[SecondQuote]
قال د.سعد الكتاتنى: نحن لدينا ثقة فى المجلس العسكرى وحرصه على نجاح الفترة الانتقالية وتسليم السلطة للرئيس المنتخب، وموقفكم فى الانتخابات البرلمانية يحسب لكم، فقد كان موقفكم محايداً ونحن نقدر هذا الموقف والبرلمان بالفعل شريك معكم فى تحمل المسئولية.
نفس الكلام أكده د.عصام العريان، إلا أنه راح يحذر بطريقة دبلوماسية عندما قال «نتمنى أن يتم ضغط الفترة الانتقالية لشهر أو أكثر، لأن استمرار المجلس العسكرى بعد هذه الفترة سيزيد من تأزم الموقف ولذلك نطلب منكم أن تبادروا بضغط هذه الفترة».
هنا تدخل الفريق سامى عنان وقال: هذا كلام سيحدث ارتباكاً كبيراً، لقد وعد المشير بتسليم السلطة فى الثلاثين من يونيو كحد أقصى، فلا يجب القفز على هذه المواعيد خصوصاً أنك تعلم يا دكتور عصام أن أحداً فينا لا يرغب فى الاستمرار ولا يسعى إلى السلطة.
وعلق المشير طنطاوى على هذا الاقتراح بالقول «لقد التزمنا أمام الشعب بالمواعيد المعلنة، ونحن أكدنا التزامنا أكثر من مرة، ولن يزايد علينا أحد فى ذلك.
قال د.سعد الكتاتنى: نحن نثق فى ذلك، وقد عبرنا فى أكثر من مرة عن ثقتنا فى التزام المجلس الأعلى بالمواعيد المحددة، وهذا هو رأى الأغلبية، ولكن كما تعرفون دائماً الأقلية يكون لها رأى آخر، لقد وجهوا الدعوة للعصيان المدنى فى البلاد، بادعاء ضرورة تسليم السلطة، ونحن كأغلبية رفضنا هذه الدعوة، ولذلك كان مصيرها الفشل.
وقال المشير طنطاوى: لو كنا نريد غير ما وعدنا به لفعلنا ذلك، ولكن القوات المسلحة تعرف أن مهمتها الأساسية هى حماية الأمن القومى للبلاد، ولذلك نحن نعرف طريقنا جيداً، وهناك استياء كبير داخل القوات المسلحة من لغة الإساءة والتطاول، التى تستهدف جرنا إلى الصدام، وقد بذلت جهوداً كبيرة فى تهدئة مشاعر الضباط والجنود الذين تحملوا الكثير من التطاول الذى وصل إلى حد الإهانات ولكن هذا قدرنا، أن نتحمل كل شىء بصبر وهدوء من أجل مصلحة مصر، نحن نعرف مهمتنا جيداً، ونعرف كيف نصبر وكيف نتعامل مع هذه الأحداث التى نعيشها منذ ثورة 25 يناير، ولكننا على ثقة بأنها أحداث طارئة.
محمد بديع
وقد طلبت الكلمة وقلت: «نحن نقدر موقف القوات المسلحة وانحيازها إلى مصلحة الوطن ومصداقيتها فى وعودها ولكن القلق يساورنا على أمن البلاد بسبب الاختراق الأجنبى للعديد من منظمات المجتمع الدولى والدور الذى تقوم به بعض هذه المنظمات بهدف نشر الفوضى، ولذلك نؤكد مجدداً دور القوات المسلحة واتخاذ كافة الإجراءات الحاسمة والضرورية لمنع عمليات الاختراق والتصدى للمؤامرات.
وتحدث الدكتور محمود السقا ممثل الهيئة الوفدية وأشاد بدور الجيش فى حماية البلاد وطالب أيضاً بضمانات لتنفيذ الجدول الزمنى لتسليم السلطة. وتحدث النائب سعد الحسينى عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان ووصف بيان الجيش فى الأول من فبراير بأنه يشبه قرار الحرب فى أكتوبر 1973، إلا أنه تساءل عن الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
ويبدو أن كلماته دفعت المشير طنطاوى إلى الحديث مطولاً عن الحالة الراهنة فى البلاد حيث قال «إن الشرطة المصرية واجهت تحديات خطيرة بعد انهيارها فى 28 يناير؛ لكنها بدأت تعود تدريجياً لممارسة دورها فى الوقت الراهن».
وتحدث عن دور القوات المسلحة التى تولت مهمة ومسئولية أمن البلاد بعد انهيار الشرطة، وقال: لقد أخذ الجيش المسئولية على عاتقه، لم يكن لدينا جهاز يتابع أو يضبط أحداً، ومع ذلك استطاع الجيش أن ينقذ البلاد من الانهيار.
وقال: نحن نساعد الشرطة حالياً لتقوم بدورها على الوجه الأكمل، رغم أن أحداث بورسعيد كان هدفها النيل من الشرطة والدولة المصرية أيضاً..
وقال المشير إن هناك مؤامرة كبيرة تحاك ضد الجيش، ولكن هؤلاء لا يعرفون جيش مصر ولذلك لن يفلحوا، وقال إن أعداءنا يريدون إشغال الجيش فى الداخل وترك الحدود فى الخارج.
وقال المشير إن الجيش يجب أن يتفرغ لمهمته فى حماية الحدود، وهذا ما نسعى إلى تحقيقه فى أسرع وقت ممكن.
وعندما تساءل د.سعد الكتاتنى عن قضية التمويل الأجنبى، قال المشير: لقد كان لى لقاء مع رئيس الأركان الأمريكى وتطرق إلى هذا الأمر، أنت تعرف أن هناك اتفاقية المعونة بيننا وبين الأمريكيين منذ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، ومصر ما زالت ملتزمة ببنود هذه الاتفاقية، وضمن بنودها تقديم منحة عسكرية تخصص لشراء أسلحة أمريكية، وقال المشير «الحقيقة أن قضية التمويل الأجنبى أزعجتهم كثيراً، وعندما جاء رئيس الأركان كان هدفه بحث قضية التمويل الأجنبى وإحالة عدد من الأمريكيين للمحاكمة أمام القضاء المصرى، وقلت له إن هذه المنظمات تعمل بدون ترخيص فى مصر، ولها دورها الذى يثير الشبهات، ولذلك قررنا وضع حد لذلك بعد الكشف عن تلقى هذه المنظمات لمئات الملايين من الجنيهات، وقال «لقد قلت له إن هذه القضية منظورة أمام القضاء وهو صاحب القرار الفصل فيها».
فى هذا الوقت تدخل الفريق سامى عنان وقال «عندما أصدرنا البيان الأول فى الأول من فبراير عام 2011 والذى أعلنا فيه انحيازنا للثورة لم نكن واثقين أن الثورة ستنجح، ولكننا اتخذنا الموقف الصحيح، لقد تساءلنا بعد ذلك: ماذا لو نجح النظام وفشلت الثورة؟ ساعتها الموقف كان سيختلف، ومع ذلك كنا مستعدين لكل شىء، ومنذ هذا الوقت ونحن نواجه التحديات ونرفض الاستجابة لمحاولات الصدام والاستفزاز لأننا نعرف الهدف الحقيقى من ورائها.
وقال الفريق عنان «لقد تمسك المشير طنطاوى مع صدور الإعلان الدستورى الأول فى 13 فبراير 2011، بألا تزيد الفترة الانتقالية على ستة أشهر، قلنا له لن تكفى، فأصر على موقفه، ثم جاءت إلينا بعض الأحزاب وائتلافات الشباب وطلبوا تأجيل الفترة الانتقالية، فوافقنا بعد إلحاح شديد وقلنا لهم نحن مستعدون أن نساعدكم على إنشاء أحزاب سياسية، ومع ذلك مضت الشهور ولم يحدث أى تقدم.
وقال المشير: نحن نحتاج إلى الهدوء لضمان الاستقرار ونريد تجاوز هذه الأزمة الصعبة والخطيرة.
فى الحادى والعشرين من فبراير 2012، أحالت المحكمة الإدارية العليا قانون الانتخابات الذى جرت على أساسه انتخابات مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا.
كانت القناعة الثابتة التى تولدت لدى أعضاء المحكمة الإدارية العليا أن هذا القانون وتحديداً المادة الخامسة فيه فيها شبهة عدم الدستورية؛ لأنها أخلت بمبدأ تكافؤ الفرص، حيث أعطت الحزبيين الحق فى الترشح على المقاعد الفردية والقوائم أيضاً بينما حرمت المستقلين من حق الترشح على القوائم وقصرت ترشحهم على المقاعد الفردية.
وعندما أعلن هذا الحكم، اجتمع مكتب إرشاد جماعة الإخوان، وتلاه اجتماع للهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة للتباحث حول مضمونه، الذى أحدث حالة من القلق الشديد فى أوساط الجماعة، التى وقر فى يقينها أن المحكمة الدستورية ستلجأ إلى حل البرلمان لا محالة.
أدرك الإخوان أن الانتصار الذى حققوه سوف يذهب إلى المجهول، وأن التشريع سوف يسحب من أيديهم مرة أخرى.
![](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/medium/365784_Large_20150629123005_72.jpg)
مصطفى بكرى
وبدأت انتقادات النواب الإخوان تتصاعد، ولكنها اتخذت أشكالاً متعددة، وجرى خلالها توجيه اللوم إلى الحكومة وأعضائها بالتقصير والفشل فى حل مشاكل الشعب المصرى.
فى هذا الوقت تعددت اللقاءات بينى وبين الدكتور الجنزورى فى مكتبه بالهيئة العامة للاستثمار أو بمقر مجلس الوزراء فى قصر العينى.
دعانى الجنزورى إلى لقاء عاجل فى مكتبه، سألنى عن رأيى فى إصرار رئيس مجلس الشعب والنواب لإلقاء بيان للحكومة أمام المجلس، فقلت له رغم أن الإعلان الدستورى لا يلزمك بذلك، إلا أن حضورك وإلقاء بيان أمام البرلمان هى مسألة ضرورية.
وبالفعل جاء الجنزورى وألقى بيانه أمام مجلس الشعب فى السادس والعشرين من فبراير 2012. وقد قوطع من الإخوان وبعض الليبراليين أكثر من مرة.
أدرك الجنزورى أن هناك مصيدة قد نصبت له بهدف دفعه إلى الاستقالة، غير أنه كان قوياً ومتماسكاً، وظل يلقى بيانه الشفهى لأكثر من خمسين دقيقة دون تردد أو أخطاء.
فى العاشرة من صباح 22 فبراير تلقيت اتصالاً هاتفياً من الدكتور كمال الجنزورى، طلب منى أن ألتقيه فى مكتبه بمقر الهيئة العامة للاستثمار، وصلت إلى مقر الهيئة فى الثانية والنصف ظهراً، واستمرت المقابلة بيننا لأكثر من ساعة.
لقد أبلغنى الدكتور الجنزورى أنه سيلتقى فى الرابعة من بعد عصر ذات اليوم بالدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب فى حضور المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، كانت لدىّ فكرة عن هذا اللقاء، لكننى لم أكن أعرف موعده بالضبط.
- قال لى الجنزورى: إن الهدف، هو إيجاد حل للأزمة المتفاقمة بين الحكومة ونواب الإخوان فى مجلس الشعب.
- قلت للدكتور الجنزورى: المطلوب استفزازك حتى يصلوا إلى هدفهم بإجبارك على الاستقالة.
- قال الجنزورى: وكيف ترى موقف المجلس العسكرى؟
- قلت له: إذا وجدوا موقفك قوياً، فلن يترددوا فى الوقوف إلى جوارك، أنت تعرف أنهم فى موقف صعب، ويريدون تسوية المشكلة دون أن يخسروك أو يخسروا جماعة الإخوان.
- قال الجنزورى: أنا شخصياً سأضع النقاط على الحروف ولن أقدم أى تنازلات وسأسمعهم وجهة نظرى كاملة فى كل ما يحدث.
التقيت الدكتور الجنزورى الجمعة 23 فبراير واستمر لقاؤنا لنحو ثلاث ساعات، عرفت خلالها وقائع الحوار الذى جرى بينه وبين د.سعد الكتاتنى بمقر وزارة الدفاع.. عندما وصل الدكتور الجنزورى إلى مقر وزارة الدفاع، فوجئ بأن المشير طنطاوى ليس موجوداً فى الاجتماع، لقد أبلغ المشير الفريق سامى عنان اعتذاره عن عدم الحضور؛ لأنه غادر لزيارة شقيقه الذى كان محتجزاً فى مستشفى المعادى العسكرى بعد تدهور حالته الصحية.
بدأ الفريق سامى عنان حديثه فى هذا اللقاء عن التحديات التى تواجه البلاد فى الوقت الحالى، وطالب الحكومة والبرلمان بإنهاء خلافاتهما والتوقف عن الجدل الدائر فى البرلمان وخارجه.
تحدث الدكتور الجنزورى عن بدايات الأزمة وأسبابها، وقال إذا كان لحزب الحرية والعدالة ملاحظات على بيان الحكومة فالحكومة على أتم استعداد للاستماع إلى هذه الملاحظات.[ThirdQuote]
وقال الدكتور سعد الكتاتنى: إن ملاحظات النواب ليست مقصورة على حزب الحرية والعدالة، وأنها لا تمثل انتقاصاً من الجهود التى يبذلها د.الجنزورى.
وتحدث الدكتور الجنزورى مطولاً فى هذا اللقاء عن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فى الشهرين الماضيين.
وطرح الجنزورى فى هذا اللقاء خطته لسد العجز فى الموازنة العامة الذى بلغ يومها نحو 144 مليار جنيه وأبدى عتابه على رفض حزب الحرية والعدالة الموافقة على القرض الذى وافق عليه صندوق النقد من حيث المبدأ، وقال لقد اتصلت بخيرت الشاطر وقلت له إن القرض سيعرض على البرلمان للموافقة عليه، وكل ما نريده من وراء هذه الموافقة هو الحصول على شهادة صلاحية تفيد بأن مصر تتحرك للأمام، وأكدت له أننا لن نستخدم القرض، ولكن ما نسعى إليه، هو الحصول على شهادة تفيد بصلاحية الاقتصاد المصرى.
وقال: لقد وافق على ما طرحته عليه، ثم فوجئت برفض حزب الحرية والعدالة للقرض، بحجة أنه «ربوى» ومحرم دينياً وإلى آخر ذلك من ادعاءات.
سعى الفريق سامى عنان إلى تهدئة الموقف بين الطرفين واقترح على الدكتور الجنزورى إجراء تعديل وزارى إلا أن الدكتور الجنزورى رفض ذلك، وقال موجهاً حديثه للكتاتنى، أنا مواطن مصرى مسلم، وأتمنى أن تنجحوا، ولكن ذلك لا يمكن أن يتم بمبدأ السمع والطاعة.
- قال الكتاتنى: المرشد حالياً خارج القاهرة، سأبلغه بمطلبك؟
- قال الجنزورى: وأنا منتظر تحديد الموعد، لا بد أن يقال له هذا الكلام وبكل صراحة.
- الكتاتنى: والمرشد يرحب بكل الآراء.
- قال الجنزورى: ما أقوله هو لمصلحتكم ومصلحة مصر، يجب أن يتوقف الخلاف الدائر فوراً، لا شىء مضمون، ماذا إذا جاءت المحكمة الدستورية وقالت إن البرلمان مخالف ومطعون فى دستوريته، ماذا ستفعلون؟!
- قال الكتاتنى: ساعتها سيكون لكل حدث حديث، ونحن نحذر من ذلك، وليس أمامك سوى أن تجرى تعديلاً وزارياً واسعاً، وإلا فنحن سيكون لنا إجراءاتنا.
- قال الجنزورى: أقسم بالله إننى لن أستقيل، ولن أستجيب ولن أخضع لأى ابتزاز، ثم نظر إلى الفريق سامى عنان وقال: ممكن يا سيادة الفريق تقيلونى من موقعى بقرار من المجلس العسكرى، ولكنى سأخرج للشارع وأحتكم إليه وأعقد مؤتمراً صحفياً عالمياً أروى فيه كل هذه الوقائع، لأبرئ ذمتى أمام الرأى العام.
بعد أن استمعت من الدكتور الجنزورى تفاصيل ما جرى مع الكتاتنى فى حضور الفريق سامى عنان، طلب منى أن يظل هذا الأمر سراً وألا يتم تسريبه إلى الصحافة أو الإعلام، وحدث ذلك، إلى أن خرج د.سعد الكتاتنى بعدها بفترة من الوقت فى حوار على شاشة قناة الجزيرة ليزعم على غير الحقيقة أن الجنزورى هدده بحل مجلس الشعب، وقال له إن صيغة الحكم فى درج مكتبى، وهو ما كذبه الفريق سامى عنان عندما اتصلت به فى اليوم التالى أسأله عن حقيقة ما أدلى به الكتاتنى لقناة الجزيرة، وراح يكشف عن تفاصيل هذا اللقاء الذى ظل سراً حتى هذا الوقت.
كان الدكتور الجنزورى قد طلب منى قبل أن يذهب إلى اللقاء الثلاثى يوم الخميس أن أذهب لمقابلة المرشد العام للجماعة د.محمد بديع، لمعرفة أسباب الحملة التى تقودها جماعة الإخوان ضده وتحذيره من خطورة انهيار العلاقة بين البرلمان والحكومة.
وبالفعل اتصلت فى هذا الوقت بوليد شلبى المستشار الإعلامى للمرشد وطلبت منه تحديد موعد عاجل مع المرشد لإبلاغه برسالة من الدكتور الجنزورى.
أبلغنى وليد شلبى أن المرشد فى زيارة إلى بلدته فى محافظة بنى سويف، وبعد قليل عاود الاتصال بى، وقال لى إن المرشد فى انتظارك الساعة العاشرة من صباح السبت 4 مارس.
ذهبت فى الموعد المحدد، التقيت المرشد، أبلغته برسالة د.الجنزورى وكان حديثه معى متشدداً، قال لى إن جماعة الإخوان تمتلك الأكثرية فى البرلمان وإن حلفاءها لن يتخلوا عنها، وإن ذلك يعطينا الحق فى تشكيل الحكومة.
وقال: إذا كان المجلس العسكرى يجد حرجاً فى الأمر فعليه إقناع الدكتور الجنزورى بالاستقالة.
وعندما قلت له إن الإعلان الدستورى لا يعطى البرلمان حق سحب الثقة من الحكومة قال: إذن يشكل المجلس العسكرى حكومة انتقالية مؤقتة بشرط أن ينص فى مرسوم التشكيل على حق حزب الأكثرية فى تشكيل الحكومة الجديدة التى سوف تعقب الانتخابات الرئاسية.
لم يعجبنى كلام المرشد وشروطه المجحفة، فهمت الرسالة، وحاولت أن أتطرق إلى موضوع آخر، سألته عن مدى صحة أن جماعة الإخوان قررت الدفع بخيرت الشاطر للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، قال لى دون تفكير: لقد اجتمع مجلس شورى الجماعة أمس الجمعة وهو يتجه إلى اتخاذ قرار نهائى بترشح الإخوان فى انتخابات الرئاسة.
عندما سألته عن رأيه قال إنه يرى أن الوقت غير مناسب، وأنه كان يفضل استجابة المجلس العسكرى لحق الإخوان فى تشكيل الحكومة.
خرجت من مكتب الإرشاد وقررت اللحاق باجتماع مجلسى الشعب والشورى الذى كان منعقداً فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور وقد أجريت اتصالاً بالدكتور الجنزورى أبلغته فيه بمضمون ما جرى بينى وبين المرشد، فطلب منى أن نلتقى فى اليوم التالى لمناقشة البدائل سوياً.
وعندما وصلت إلى قاعة المؤتمرات، كانت الأجواء متوترة، بدأت انتخابات الجمعية التأسيسية، ونجحت القائمة التى أعدتها جماعة الإخوان، وضمت 50٪ من أعضاء مجلسى الشعب والشورى و50٪ من الهيئات والأحزاب وأساتذة القانون وممثلى المؤسسات. وقد أثار هذا التشكيل ردود أفعال رافضة بين الأحزاب وفى أوساط الشارع المصرى.
وبعد انتخاب أعضاء الجمعية بدأت الحرب المكشوفة، بين الإخوان والقوى الليبرالية والمجتمعية مما استدعى تدخل المجلس العسكرى لإيجاد حل توافقى للأزمة فى هذا الوقت.