سلام على من ينصر فلسطين
تتفق أو تختلف مذهبياً مع الشهيد حسن نصرالله فإنك لا تملك سوى الإعجاب بشجاعته وتضحياته والإقرار بأنه قدم حياته كلها وحياة حزبه من أجل فلسطين، عاش لهذه القضية العظيمة ومات واستشهد من أجلها، عرض عليه الغرب مرات الصلح مع إسرائيل والاعتراف بها وسوف يسيدونه وحزبه على لبنان كلها، مع مساعدات مالية وتقنية لا حدود لها، فأبى ذلك الذى يسيل له لعاب الجميع، لم يتأخر يوماً عن نصرة فلسطين، ونال الشهادة فى هذه المواجهة العنيفة.
«منذ أربعين عاماً ما سجدت لله سجدة إلا وسألته الشهادة فى سبيله»، من كلمات الشهيد حسن نصرالله فى خطاب ألقاه فى مارس عام 2019. مواجهة إسرائيل ليست بالأمر الهين، وتحديها والإصرار على تحديها وحربها ليس لعبة، وكان حسن نصرالله يعرف ذلك، ويوقن بأنه باع نفسه من أجل القضية التى وهب حياته لها، رحم الله حسن نصرالله وكتبه فى الشهداء العظام.
تحدى إسرائيل ومواجهتها ليس بالأمر السهل، ولذلك أوجه تحية إلى روح الزعيم جمال عبدالناصر الذى ظل طوال حياته يواجه الاستعمار البريطانى والفرنسى، ويواجه إسرائيل، وسخر معظم حياته لنصرة قضية فلسطين، وتعب طوال حياته من أجل هذه المواجهة. كل من واجه إسرائيل تعمدت اغتياله وتصفيته، بدءاً من محاولات اغتيال «عبدالناصر»، والفريق عبدالمنعم رياض، واغتيال معظم قادة منظمة التحرير الفلسطينية «أبوجهاد وأبوإياد وأبوعلى مصطفى» وغيرهم، واغتيال قادة «حماس» وعلى رأسهم أحمد ياسين وآخرهم إسماعيل هنية، ومعظم قادة حزب الله، وكل العلماء والأحرار فى التخصصات النادرة، فمرحباً بالشهادة فى سبيل الله، وبيد الطغيان الإسرائيلى.
كل من يتصدى لإسرائيل أو يقف إلى جوار فلسطين يدفع ثمناً غالياً من اللوبى الصهيونى الأمريكى، وقد دفع الرئيس عبدالناصر هذا الثمن غالياً، حينما تآمرت إسرائيل مع فرنسا، التى كانت حانقة على الرئيس ناصر لمساندته القوية لمجاهدى الجزائر ضد الاحتلال الفرنسى، وبريطانيا التى كسرها خروجها من منطقة قناة السويس وتأميم القناة كتمهيد لنهاية نفوذها فى منطقة الشرق الأوسط، فكان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، الذى قدم فيه رجال مصر ضروباً من الشجاعة والبطولة النادرة ولكن تم احتلال سيناء كاملة ودمرت بورسعيد، ثم دفعت مصر ثمناً أغلى فى هزيمة 5 يونيو عام 1967 وذلك لدعمها اللامحدود لقضية فلسطين.
واليوم تدفع لبنان وحزب الله ثمن وقوفهما إلى جوار غزة، وكذلك اليمن التى دفعت ثمناً غالياً جداً، وتدفع جنوب أفريقيا، وإسبانيا، وإيران، والجزائر، أثماناً غالية مؤجلة كعقاب إسرائيلى وأمريكى، كل من وقف إلى جوار الحق الفلسطينى سيدفع أثماناً غالية وتضحيات، وعليه أن يوطن نفسه على ذلك. من أفضل من نصر قضية فلسطين الرئيس الجزائرى الراحل هوارى بومدين، الذى يعود الفضل إليه فى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، والذى وقف إلى جوار مصر وقفة عظيمة بعد نكسة ٥ يونيو عام ١٩٦٧ وذهب إلى موسكو وقدم لهم شيكاً على بياض لتسديد ثمن أى أسحلة طلبتها أو تطلبها مصر.
«لا يغنى حذر من قدر»، تذكرت هذا المثل وأنا أطالع فيديو شهيراً بثه الشهيد حسن نصرالله منذ فترة قريبة يحذر أتباعه من التليفون المحمول ويوجههم بتركه أو تحطيمه باعتباره الجاسوس الأكبر أو الخائن الأكبر بين صفوف رجاله، ولكن يبدو أن نصيحته ذهبت أدراج الرياح، فقد لعب المحمول دوراً كبيراً فى تحديد أماكن كل قادة الحزب، وخططه، وتمركزات أسلحته، وتم اغتيالهم.
أرسل لى أحد الأصدقاء مقطعاً قصيراً من مسلسل روسى أذيع منذ ٢٥ عاماً يشرح كيفية استخدام البيجر فى عمليات التفجير، أجيال العرب لا تدرس ولا تتابع المستحدثات ولا حتى الوسائل العتيقة لتُلدغ من الجحر الواحد عدة مرات.
عقب وفاة الرئيس ناصر قال «بن جوريون»، مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء لها: «كان لليهود عدوان تاريخيان هما فرعون فى القديم وهتلر فى الحديث، ولكن عبدالناصر فاق الاثنين معاً فى عدائه لنا، وقد خضنا الحروب من أجل التخلُّص منه حتى أتى الموت وخلّصنا منه». من كلمات عباس العقاد الرائعة: «الصهاينة لا يعرفون ديناً، ولا يعترفون بقانون ولا شريعة، وكل ما عرفوا به التمرد والالتواء والعصيان». أقدر كل من خدم ويخدم القضية الفلسطينية وأرفع القبعة لكل من دافع عن قضية الإسلام والعروبة الأولى «قضية القدس وفلسطين»، سلام على شهداء فلسطين فى كل البلاد والأجيال، وعلى رأسهم شهداء حروب 48، 56، 67، 73.
أكبر خطأ وقع فيه حزب الله هو إخراجه للدولة اللبنانية العريقة من حساباته، وتفرده بالقرار دونها، وإهماله لمشروع الدولة اللبنانية.