مصر وتركيا تتقاربان

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

زيارة مهمة قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تركيا بدعوة من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، سُميت (صفر مشكلات)، وعهد جديد فى التقارب، تم التوقيع على نحو 20 اتفاقية بين البلدين فى مجالات الدفاع والطاقة والسياحة والصحة والتعليم والثقافة، ويستهدف البلدان زيادة حجم التجارة بينهما من 10 مليارات دولار إلى 15 أو يزيد بعد قطيعة دامت لأكثر من 10 أعوام، مع تنفيذ مشروعات مشتركة فى مجال الصناعات الدفاعية مع مصر، والتعاون فى مجال الطاقة، لا سيما فى مجالات الغاز الطبيعى المسال والطاقة النووية والمتجددة.

التقارب بين مصر وتركيا اليوم لم يكن تقارباً حذراً، بل صار تقارباً أصيلاً قوياً، بدأ بلقاء الرئيسين فى حفل افتتاح كأس العالم فى قطر 2022، ثم زيارة وزير الخارجية المصرى السابق سامح شكرى إلى مدينة مرسين بتركيا لتقديم العزاء فى أعقاب زلزال تركيا، فى فبراير 2023، ثم بعدها بأسابيع قليلة جاءت زيارة وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو للقاهرة، ويبقى التحول الأكبر فى العلاقات بين البلدين عندما زار الرئيس التركى مصر، وبعد فترة طويلة جاءت الزيارة التاريخية للرئيس المصرى إلى تركيا.

كان هناك عدد من الملفات أو المشكلات التى سببت القطيعة بين مصر وتركيا، منها: الموقف من الحرب الأهلية فى ليبيا، ومشكلات اقتصادية خاصة بالتنقيب عن البترول، ويبرز ملف جماعة الإخوان الذى شكّل حجر العثرة الأساسى بين البلدين، بعد احتضان تركيا للجماعة ومنصاتها الإعلامية. وقد زالت كل هذه المشكلات، وتطورت العلاقات المصرية - التركية وتعاظمت أهدافها، ومحفزاتها، وتحولاتها:

1- المصالح الاقتصادية والتعاون العسكرى.

2- تقليل أو وقف الحواضن لجماعة الإخوان.

3- التعاون بين البلدين فى مجال الطاقة.

4- توحيد القوى المناهضة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وزيادة الضغط الدولى لوقف الحرب.

5- الدور المتصاعد فى أفريقيا، والتقارب الذى من شأنه منع وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر، وترددت أنباء اليوم 5/ 9/ 2024 عن وصول قطع من البحرية التركية إلى مصر لمرافقة قطع من البحرية المصرية للذهاب معاً للسواحل الصومالية لدعم استقلال وحماية الموانئ الصومالية ضد أى تهديد.

من بين الآثار المهمة فى العلاقات المصرية التركية الموقف من الإخوان، وفى هذا السياق لم تغير مصر موقفها من الجماعة، بل حدث العكس، وهو أن تركيا هى التى بدأت خطوات تقليم أظافر الجماعة عملياً ولو بنسبة معينة، وأصبحت تركيا ترفض السماح بالأنشطة والدعاية الإخوانية المناهضة لمصر من قبَل أنصار جماعة الإخوان المقيمين فى تركيا، وترحيل العديد منهم، وهذا أسهم فى تقدم الجهود الرامية إلى استعادة العلاقات بين البلدين.

تظل جماعة الإخوان جماعة وظيفية، تعيش على الفتن والأزمات، ولم تتعلم من الدرس، وتجاوزها الواقع، ويتخلى عنها حلفاؤها، وفى كل مرة يتم استخدام الجماعة لتحقيق أهداف قصيرة لم تتحقق، وتظل الجماعة لا تتجاوز مكانها، بل ترجع للخلف، ولذا لا نستبعد أن العلاقات المصرية التركية الأخيرة قد تؤدى بالتدريج إلى تصفية ملف الإخوان فى تركيا، لأن المنطقة تشهد إعادة تشكيلها وترتيب أوراقها على أساس الدولة الوطنية والمصالح المشتركة لا على أساس التنظيمات والأيديولوجيات.

تطور العلاقات المصرية التركية قابله الإخوان بصمت، وتجاهلوا الكلام عن الزيارة لعدم إثارة حفيظة تركيا. يُنظر فى تأثير هذا التقارب على الإخوان من عدة زوايا:

الزاوية الأولى: اضطراب العقل الإخوانى مع تقارب أنقرة - القاهرة، وموقف الجماعة من تركيا.

الزاوية الثانية: أن الجماعة أضحت اليوم تعيش على صدامات الدول وصراعاتها وحروبها.

الزاوية الثالثة: تخلى الدولة الحاضنة لتنظيم الإخوان، فمع الضربات المتلاحقة للتنظيم داخل مصر، تأتى ضربة الدولة الحاضنة، وما لذلك من تأثير بالغ.

الزاوية الرابعة: مدى بحث الإخوان عن ملاذات ووجهات جديدة.

الزاوية الخامسة: أن الجماعة فى تركيا واجهت ظروفاً فى منتهى القسوة، فقامت الخلافات الشخصية، والحروب الإعلامية، وحروب المصالح الشخصية بين أفرادها، وهذا له مسببات متعددة، منها رفع الغطاء التركى الحاضن.

وأستطيع القول إن مشهد الإخوان لخَّصه أحد الشباب المنتمين للإخوان حين كتب تعليقاً يقول فيه: (كدا إحنا فقدنا الثقة فى الجميع، وحدث لنا إحباط فظيع، واختلطت علينا الأشياء، وأصبحنا لا نعرف الحق من الباطل، ولا نعرف نصدق مين، ولله الأمر من قبل ومن بعد)، هذا تعبير صادق عن الوضع وعن جماعة مأزومة ومهزومة ومضطربة.