وداعاً «صانع السعادة».. عاطف بشاي!
ورقة جديدة من شجرة الساخرين المصريين تسقط لتلحق بالراحلين الكبار الذين أمتعونا لسنوات طويلة وقدموا إبداعهم المتعدد المركب عبر أكثر من وسيلة وأكثر من مسار ليصنعوا البسمة على شفاه المصريين والعرب لأكثر من نصف قرن.. سقطت ورقة من شجرة راسخة كبيرة وفرع ممتد كان عليه محمود السعدنى وأحمد رجب كما كان عليه يوسف عوف وعاصم حنفى وآخرون.. رحل عاطف بشاى الكاتب والسيناريست والمبدع الكبير الذى قدم للقارئ فى كل مكان.. وللمشاهد فى كل مكان.. خلاصة جهده وموهبته وثقافته ليصنع البسمة فى كل مكان مشفوعة بالوعى بهدف تقدم المجتمع ودفعه إلى الأمام وليس لاستضحاك الناس بالإفيهات المبتذلة والسخرية الفجة التى يخجل منها أى مهذب وأى رب أسرة يشعر بالحرج من البذاءة الموجودة فى أعمال كثيرة!
امتلك «بشاى» قدرات هائلة مكَّنته من الإضافة على ما أنتجه كبار الروائيين والمبدعين وحتى الساخرين.. فى فيلمه الشهير «محاكمة على بابا» يعالج التناقض بين الأسطورة القديمة التى نقرأها ونسمعها أجيالاً وراء أجيال فى قصة «على بابا والأربعين حرامى» دون الانتباه لتناقض مدهش بين العثور على كنز كان ينبغى تسليمه إلى الحاكم لكن على بابا استأثر به لنفسه! لكن التناقض ينفجر فى ذهن طفل صغير ويتحول إلى أزمة فى مدرسته مع المعلمين. يحاول الأب إنقاذ الموقف بتحرير محضر ضد على بابا ليثبت لابنه أن قيمة الحساب موجودة، فيتعقد الموقف أكثر وأكثر! فكرة بسيطة للكاتب الكبير أحمد رجب، حوَّلها عاطف بشاى إلى عمل فنى رائع! ومع أحمد رجب يحوِّل «فوزية البرجوازية» إلى فيلم آخر غارق فى السخرية من تعامل النخبة مع المصطلحات السياسية مثل «البرجوازية» و«البروليتاريا» وتلقى واستيعاب البسطاء لها، بما يصنع تناقضاً آخر يسمح باستغلالهم فى مشكلات ليست من صنعهم! فى المرتين مع فيلم «الوزير جاى» الذى يناقش البيروقراطية فى المصالح العامة يضحكنا بشاى على أحوالنا لنراها أمامنا مختلفة رغم ما فيها من وجع! بشاى نفسه هو الذى يبكينا فى «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل» لإحسان عبدالقدوس عن التناقضات الاجتماعية التى قد تطيح بأحلام رومانسية بما يستدعى إخفاء العيوب الطبقية عن الطرف الآخر باعتبارها ليست كذلك بل تجميلاً! بشاى هو الذى كتب الفيلم الشهير للنجم أحمد زكى، لكن الساخر هناك ليس كشديد الجدية هنا، وهكذا فى أعمال كثيرة صاغت أفكاراً عديدة ولعبت دورها فى تشكيل وجدان الناس!
وداعاً عاطف بشاى صاحب «تاجر السعادة» ومسلسل «عمارة يعقوبيان» و«السندريلا» و«شخلول» و«الكلام المباح» و«فجر ليلة صيف» و«هكذا دواليك»، وغيرها.. لنفقد برحيله قيمة كبيرة جداً وطاقة إبداع هائلة وقلباً محباً طيباً ونقياً، وافق على الفور عندما كنت رئيساً لتحرير إحدى الصحف قبل سنوات أن يكتب مقالاً أسبوعياً، ولم يستغرق إقناعه إلا دقيقة واحدة دعماً لتلاميذه حتى لو لم يكن على معرفة مباشرة بهم!
وداعاً عاطف بشاى الإنسان.. وصانع السعادة.. وخالص العزاء لأسرته وتلاميذه وكل محبيه.