الإرادة السياسية وإحالة «الحبس الاحتياطي» إلى الحكومة بشروط حاكمة
لم ننتظر طويلاً بين إحالة أمانة الحوار الوطنى توصياته التى توافقت عليها مناقشات القوى الوطنية والأحزاب والنقابات والشخصيات العامة المستقلة من متخصّصين وسياسيين، نقول لم ننتظر طويلاً بين إحالة هذا الملف إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى لاتخاذ اللازم، وبين قرار سيادته الفورى بإحالة التوصيات إلى الحكومة!
قرار الرئيس ليس لاتخاذ اللازم.. إنما لـ«سرعة اتخاذ اللازم».. وهما معاً -الإحالة مع التوجيه المذكور- يعكسان إرادة سياسية لاستكمال ملف الإصلاح السياسى إلى نهايته، وحتى يتوافر للشعب المصرى مناخ سياسى وحقوقى جيد تضمنه قوانين تتّفق وتنسجم مع الدستور! وهو ما أشرنا إليه سابقاً مرات كثيرة، وقلنا إن الإصلاح بدأ بقوة وبوتيرة متسارعة فى الملفين الاقتصادى والاجتماعى لما تحتاجه مصر ونحتاجه من تعديل وضبط تشريعات الاستثمار ومحاربة البيروقراطية والتضخّم وتشجيع الاستثمار والاهتمام بملفات الصناعة والزراعة والشباب والأسرة ومواجهة مختلفة مع زيادة السكان والطلاق والمواريث وتمكين المرأة اقتصادياً والتسرّب من التعليم والأمية والاهتمام بقضايا الثقافة والهوية والتعليم وغيرها وغيرها من قضايا مهمة فى كلا الملفين.
أما الملف السياسى فهو الملف الذى تتربّص به قوى لا تريد مصلحة الشعب المصرى، تريد إصلاحاً متسرعاً يسمح لها بالقفز إلى السلطة التى لا تحلم فى غيرها.. ولذلك يكون التقدم فى إصلاح الملف السياسى محسوباً وحكيماً حتى لو تأخر عن سابقيه.. ما يعنينا هو عدم انزلاق البلاد إلى ما لا نريده أو لا يريده أى محب لهذا البلد! لكن ها هو الحبس الاحتياطى يناقَش، وقبله ملف المعتقلين السياسيين، ومعه إصلاح مراكز العقوبة (السجون)، وإعادة النظر فى قانون الطوارئ وإلغائه، وتشجيع الأحزاب على الحركة والعمل وغيرها من إجراءات.. وفى انتظار المزيد من الإجراءات تباعاً.. الرئيس لم يُحِل للحكومة تكليف «اتخاذ اللازم» فحسب، بل حدد للحكومة نقاطاً حاكمة لتفعيل التوصيات وتحويلها إلى تشريعات وقرارات، حيث يقول بيان الرئيس حرفياً: «استجابتى لتوصيات الحوار الوطنى نابعة من الرغبة الصادقة فى تنفيذ أحكام الدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان».. وهما النقطتان اللتان أشرنا إليهما فى مقال أمس «الحبس الاحتياطى.. فى انتظار قرار الرئيس» بالالتزام بالدستور المصرى وبالاستراتيجية الخاصة لحقوق الإنسان المقدّمة فى 2021.. كما أكد الرئيس نقاطاً أخرى، هى كما جاء حرفياً:
«أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطى كإجراء وقائى تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول إلى عقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة، وأهمية التعويض المادى والأدبى وجبر الضرر لمن يتعرّض لحبس احتياطى خاطئ».
وهكذا نسير إلى الأمام.. وصولاً إلى إصلاح سياسى شامل يؤسس لدولة عصرية حديثة، يتزامن معه وعى شعبى كبير يستطيع ممارسة الديمقراطية على الوجه المثالى.. دون أن توجّهه جماعة أو توظّفه شعارات أو تستغله قوى شريرة فى الاتجاه المعاكس لأحلام وطموحات شعبنا.