الأخلاق في الإسلام (6)

عمار على حسن

عمار على حسن

كاتب صحفي

طالب الإسلام الفرد بالجرأة الأدبية شريطة ألا تصبح وقاحة وسماجة، ونهى عن «العجب بالنفس»، ورآه من أعظم المهالك فى الحال والمآل، وهنا يقول الحديث: «ثلاث مهلكات؛ شح مشاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»، ونهى الإسلام عن اغترار الإنسان بماله فيتعالى على الناس ويبذخ، واغتراره بقوته فيظلم، واغتراره بنسبه فيتكبر، واغتراره بعبادته فيشقى ويحبط عمله.

وجعل القرآن لعلاج الغرور مقامين؛ أن يعرف الإنسان نفسه: «مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرهُ»، وأن يعرف ربه: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ»، ولذا يوجب الإسلام كراهية مدح الذات، فالقرآن يقول: «فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى» (النجم: 32)، و«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» (النساء: 49).

ويعلمنا القرآن فضيلة الصبر، ويقدمها على الصلاة والتقوى، فيقول: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» (البقرة: 45)، و«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (آل عمران: 200)، ويرى بعض الفقهاء أن الصبر على المكاره والمصائب يبدأ مع النفس، وهو أشد أنواعه وأقواها، ويكون بكف الباطن من حديث النفس. ويعلمنا الرسول حفظ أسرار الناس، والابتعاد عن الثرثرة والاغتياب، وتُنسب إليه فى هذا أحاديث عدة منها: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».

«إن من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضى إلى زوجته وتفضى إليه ثم ينشر سرها».

ويقول ثابت عن أنس (رضى الله عنه): أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا، فبعثنى فى حاجة، فأبطأت على أمى، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ فقلت: بعثنى رسول الله لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تخبرن بسر رسول الله أحداً، قال أنس: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك به يا ثابت.

ويغرس القرآن حب الله والناس والحق والفضيلة والجمال فى النفس الإنسانية، ويجعله من الإيمان، وهنا يقول: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ» (الحشر: 9). ووردت فى هذا أحاديث عدة منها:

«ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف فى النار». «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى».

«قال الله عز وجل: المتحابون فى جلالى لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء». «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه». وقد دخل القرآن إلى النفس البشرية من كل مدخل محافظاً على الطبيعة المزدوجة للإنسان، بوصفه قبضة طين ونفخة روح، حيث يقول القرآن الكريم: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (ص: 71 و72)، وبوصفه أيضاً يجمع بين جنبيه نفساً فيها من الخير كما فيها من الشر، وفيها من الفجور كما فيها من التقوى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» (الشمس: 7 و8).

ففى كل نفس قيم واتجاهات متناقضة: الخوف والرجاء، والحب والكره، والصبر والقلق، والالتزام والتفلت، والواقعية والمثالية، والحسى والمعنوى، والإيجابى والسلبى. ويجب أن يكون دور الدين هو تزكية القيم الإيجابية والفضائل ويحد من السلبيات والمثالب والرذائل، ساعياً بالفرد إلى أن يصل إلى الكمال الإنسانى.

إن كل ما سبق من مظاهر سلوكية، بدت هى ما ينبغى أن يكون، يجب أن يحظى باهتمام التعليم الدينى، الذى أفرط فيما هو كائن فى حديث مكرور عن العبادات والرقائق، وجعل منها جل ما يعظ به الناس ويرشدهم له، فى وقت تردت فيه الأخلاق، واضطربت التصرفات، واهتزت الفضائل، وانصرمت القيم، بما يهدد مجتمعاتنا بالتحلل، ويخصم الكثير من القوة الناعمة لدولنا.