م الآخر| "أنا شيطانك القديم" (قصة قصيرة)

م الآخر| "أنا شيطانك القديم" (قصة قصيرة)
ما زاغ بصره وما طغى، وما كذب الفؤاد ما رأى، هي تخطو نحو الشمس في مقدمة الكازينو كأنها كوكب دري، يديها تتحرك جانبها كأنها قدت من قبس نور، الضي غشى وجهه فتلكأ، واتكأ إلى روحها السارحة إلى الخارج، يتذكر بعض ملامح الماضي من وجنتيها النابضتين عشقا، تململ، ثم سار نحوها مشدوها بروعتها القديمة كأنها "جنية بحر" خرجت تتلوى ألقا وإثارة.
أخذها من وسط دهشتها، لف يده حول خصرها كأنها جاريته، ومر بها على الموائد كلها، قبل أن ينتقي لها واحدة ويجلسها، قبل أن تنطق قبحا من استغرابها، وقبل أن تتهمه بالجنون، زاد في غيه وقبلها، وهي فاغرة فاها، في مقابله، تساءلت عن حقيقته فأجاب: "أنا شيطانك القديم".
بدت وكأنها تتذكر، باغتها بقبلة أخرى فتبسمت، وجلست فاضحة عن ساقيها وكعبيها المزينين بخلخالين فضيين، وأراحت ظهرها على مقعدها وتنفست ببطء هواءه الساخن، الحاكي عن سنوات الغربة والفرقة، وعن أيام الحنين والذكريات، بكلمات بدت لها مبتذلة، فأخرجت سيجارتها ونفثت دخانها في الهواء أمام دموعه النابتة مع الحكايات.
بدت كأن الحنين الذي يمزقه لا يعنيها، والفراق الذي يحكي عنه كأنما هو الطاعون لا يهز مخيلتها بذكرى، لكنها استمعت وانتشت بعذاباته، وهمست بفحيح: "الذكرى تموت مع كل شيء يموت"، فتبسم ضاحكا من قولها كالمخابيل، ويمم وجهه شطر الغروب، وسألها عن سنواتها التي قضتها بعد أن فارقته، فتدللت، وأراحت ظهرها إلى مقعدها أكثر، وهمست في تشفي: "كانت أكثر جمالا وهدوءً"، صمت وتلفت حوله حيرانا أسِفا، قبل أن يصفعها، وينصرف.
سرحت في أظافر يدها بعد مغادرته، وجوده يملأ الكرسي الذي لا زال يهتز خلفه، دمعت عيناها، وتأسفت داخلها وشدت وثاق روحها، وألقت بعض ذكريات الحب مع عملات نقودها التي تركتها للنادل قبل أن تنتصب في "كبرياء"، وتقتل مذاقات "الذل"، التي عايشتها معه، خلال رحلة حبهما القاسية، وأتى هو اليوم ليعتذر عنها بطريقة "الجبابرة" كأنه ظلم.
عرفته منذ الوهلة الأولى وتظاهرت بنكرانه، خفق قلبها عندما لامس بكفه خصرها، لكنها ادعت أنها تتأوه استغرابا بدلا من تأوهها غنجا وشهوة، كما كانت تفعل في أحضانه، قبل سنوات.. أصرت أن تكون قوية في مواجهته، ولأنه تركها بقايا "أنثى"، كان عليها أن تحطم بقايا "رجولته".