المفتي السابق والمفتي الجديد.. تقدير هنا وأمنيات هناك

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

انتهت فترة عمل العالِم الكبير فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتياً للديار المصرية، ليحل محله عالِم جليل هو فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، وفضيلة الدكتور شوقي علام عالِم كبير وفقيه أريحي خلوق، حققت دار الإفتاء المصرية في عهده ريادة عالمية، بسعيه الدؤوب نحو تطوير علم الإفتاء، الذى تحول في عهده إلى صناعة مستقلة لها أسسها ومقوماتها، وانتقل خطاب دار الإفتاء في عهده لبحث قضايا التجديد، وأحدث نقلة نوعية في الاهتمام بالقضايا الإسلامية العامة، فضلاً عن الطفرة التي حدثت مع إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والتي كان يوليها فضيلة المفتي أهمية خاصة.

حقق الدكتور شوقي علام طفرة كبيرة في منظومة العمل المؤسسى لدار الإفتاء خلال سنوات توليه المنصب، على المستوى الإفتائى، والإدارى، والتدريب والنشر، والتواصل مع العالم ومؤسساته، وصارت مؤسسة الإفتاء في مصر مساهِمة إسهاماً شرعياً وفكرياً وبحثياً في التنمية والعمران، وقدمت رؤى متعمقة في مشكلات المناخ، والزيادة السكانية، وسائر القضايا والتحديات الحديثة، واشتبكت مع الفضاء الإلكترونى لتصحيح سلبياته، والاستفادة من إيجابياته.

في عهد فضيلة الدكتور شوقى علام وقفت الدار -وفي القلب منها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء التى ترأسها فضيلته- أمام موجات التطرف بكل تنظيماته وأنواعه، على مستوى الرصد والمتابعة والتحليل والرد الفكرى والفقهى ونشر الدراسات والأبحاث وتأسيس مركز «سلام»، والمؤشر العالمى للفتوى، وشتى المخرجات النوعية للمؤتمر السنوى للأمانة العامة، فانتشرت سمعة طيبة لمؤسسة الإفتاء المصرية في العالم شرقاً وغرباً.

وحاولت تنظيمات دينية العمل على هدم مرجعية الإفتاء لتكون هى المرجعية، فيحدث التجرؤ على الدين، وتصير الفتوى مجالاً مهيعاً واسعاً، ومرعىً فسيحاً مشرع الأبواب، وينفسح المجال للعابثين، فلا يستقر في وجدان المسلم مرجعية إفتائية عريقة موصولة الإسناد إلى ينابيع علمية منضبطة، وفي سبيل ذلك تصدى فضيلته لهذه التنظيمات من خلال دار الإفتاء المصرية ومن خلال مقالاته ومؤلفاته وبرامجه الإذاعية والتليفزيونية والأمانة العامة، وتحملت دار الإفتاء -بداية من فضيلة المفتى إلى كل العاملين في الدار- أكاذيب وافتراءات غير مسبوقة، وكل ذلك لم يرهب فضيلة المفتى ولا علماء الدار عن أداء مهمتهم، ولم يتحسَّبوا آراء مواقع التواصل الاجتماعى، ولا آراء الكتائب الإلكترونية، وكان موقفهم واضحاً قوياً: الجيش المصرى جيش وطنى، و«داعش والقاعدة» والجماعات المماثلة تنظيمات منحرفة، ومؤسسات الدولة مؤسسات وطنية، والأزهر بأركانه الثلاثة المعروفة مرجعية الإسلام السنى، إنها مواقف واضحة دون مواربة أو مغازلة.

وفي عهد الشيخ شوقى علام -كما فعل سابقوه- حرص كل الحرص على أن تكون الدار رافداً من روافد الأزهر الشريف، تتضامن معه ومع هيئاته العلمية المختلفة، فكلاهما يستقى من مشكاة واحدة، ومنصب المفتى يلى مرتبة شيخ الأزهر في المكانة والمنزلة، فنبعت الدار من الأزهر الشريف، ودارت في فلكه، والتزمت منهجه، وانتهز فضيلة المفتى كل فرصة ليعلن التقارب مع المشيخة وشيخها الإمام الأكبر، من أجل توحيد السبل، والتقاء الهدف، والتضافر لخدمة الوطن والدين والأزهر.

وآية ذلك ما حدث من فضيلته منتصف الشهر الماضى، حيث كان فضيلته أول من أعلن دعمه لمبادرة وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى، وأصدر فضيلته بياناً قوياً إلى العالم كله، قال فيه: «إن التعاون والتنسيق بين المؤسسات الدينية يُسهم بقوة في بناء الوعى الدينى، ونَشْر رسالة السلام والتسامح، وهذه الروح الطيبة الواضحة، والتكامل البيِّن بين المؤسسات الدينية واصطفافها متناغمةً متآلفةً تحت مظلة الأزهر الشريف، سيؤتى ثماره خدمة للدين والوطن».

ظلت دار الإفتاء، بقيادة الدكتور شوقى علام، مستمرة بسعى دؤوب في خدمة الإسلام والمسلمين، عن طريق تجلية الحكم الشرعى في القضايا المعاصرة والحديثة، مدركة للواقع وللتغيرات في العالم، ولا تخرج عن النص المقدس وإجماعات العلماء ومقاصد الشريعة، بعيداً عن الإفراط أو التفريط، وقد انعكست هذه الآراء على تجلية الدين الحنيف من كل فهم خاطئ، ومواصلة جهود مجابهة جماعات التطرف والإرهاب، وصار لهذه المواجهة مركز مستقل هو مركز «سلام لدراسات التطرف».

ومن الأعمال الجليلة في عهد الدكتور شوقى علام موسوعة (المَعْلمَة المصرية للعلوم الإفتائية) التى تجاوزت أعدادها 100 مجلد، فهى عمل علمى ضخم، وسفر عظيم، وهذا المخرج نتيجة جهود حثيثة جماعية مخلصة بتوجيه فضيلته في دعم وصناعة عملية الإفتاء، وتجمع «المَعْلمَة المصرية للعلوم الإفتائية» مبادئ وأركان العملية الإفتائية، وما يتعلق بها تعريفاً وتأسيساً وبناءً علمياً وبشرياً، لتصبح بذلك مُرتكزاً صُلباً لجميع المعنيين بعلوم الإفتاء في العالم، وتقدم عملاً علمياً يحيط بعلاقة الفتوى بشتى نواحى الحياة الفكرية والشرعية والمعاصرة والتطرف والإلحاد والتنمية.. إلخ.

والحاصل أن الصورة الذهنية لدار الإفتاء المصرية كانت مهمتها الأولى والأخيرة بيان رؤية هلال رمضان، وبيان أوائل الأشهر العربية، فتغيرت منذ عهد فضيلة الدكتور على جمعة، المؤسس الأول، ثم الراية التى حملها بأمانة الدكتور شوقى علام، الذى على يديه صارت دار الإفتاء المصرية مركز إشعاع وعلم وتنوير وتدريب، وتطورت آليات ومناهج العمل الإفتائى بما يتماشى مع تحديات العصر، وعمل على حماية الوطن من التطرف الدينى والتطرف اللا دينى، وعمل على تعزيز قِيم العيش المشترك والمواطنة الكاملة، وانتقلت الدار للعالمية والتميز من خلال الأمانة العامة التى رأسها فضيلته.

وختاماً، فإن فضيلة الدكتور شوقى علام صدر منه موقف أخلاقى كبير، حيث استقبل فضيلة المفتى الجديد في مشهد حضارى يعكس الصفاء والحب والتقدير والاحترام والترابط والتعاون بين علماء الأزهر الشريف، ويعطى نموذجاً وقدوة، حيث استقبل خلفه استقبالاً حاراً، واصطحبه في جولة داخل أروقة الدار، ثم عقدا جلسةً مغلقة تباحثا خلالها أهم القضايا الإفتائية المعاصرة وكيفية مواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات.

المفتى الجديد د. نظير محمد عياد

فضيلة المفتى الجديد الدكتور نظير عياد حظى بثقة السيد رئيس الجمهورية، وبترشيح من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، وبدأ عمله بتصريحات جادة ومتوازنة، تنبئ عن خطة عمله في الفترة القادمة، وإصراره على مواصلة مسيرة الدار كمنارة للإفتاء، فأكد أن سيعمل بكل جِد واجتهاد لتعزيز دور الإفتاء في الداخل والخارج، وتنفيذ المشروعات الطموحة التى بدأت في عهد فضيلة الدكتور شوقى علام، وأكد أهمية حماية الأوطان من التطرف من خلال نشر الفتاوى المعتدلة بما يعزِّز قيم العيش المشترك والمواطنة الكاملة والتسامح وفق منهجية الأزهر الشريف، وتعزيز التعاون مع دُور الإفتاء على مستوى العالم، من خلال الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، ووعد بأن دار الإفتاء المصرية ستظل في طليعة المؤسسات الإفتائية التى تسعى لتحقيق الأمن الفكرى والاجتماعى من خلال الفتاوى المستمدة من مقاصد الشريعة الإسلامية.

تحية إجلال وتقدير وإعزاز لفضيلة الدكتور شوقى إبراهيم علام، وخالص الأمنيات بالتوفيق والسداد والعون لفضيلة الدكتور نظير محمد عياد.