صناع النبيذ في مصر يسعون لإحياء مهنة تعود لأكثر من 3 آلاف سنة

كتب: أ ب

صناع النبيذ في مصر يسعون لإحياء مهنة تعود لأكثر من 3 آلاف سنة

صناع النبيذ في مصر يسعون لإحياء مهنة تعود لأكثر من 3 آلاف سنة

أعاد صانعو النبيذ في دلتا النيل إحياء صناعة مهملة منذ القرن التاسع عشر، وبات بإمكان فنادق القاهرة وسياحها الآن التمتع بالنبيذ المصري الذي وصفه خبير بأنه "مشروب مرموق". وكان كل ذلك جزءًا من مسعى مستمر من 15 عامًا لإحياء صناعة النبيذ المصرية الصغيرة، والتي تقدم بشكل رئيسي للسياح. وصانعا النبيذ الرئيسيان في البلاد يتمتعان بالحماية بفضل نظام جمركي يمنع استيراد النبيذ، إلا أنهما يواجهان تحديًا في زراعة الكروم في مناخ صحراوي حارق، فضلاً عن صعوبة تسويق منتجاتهم في مجتمع مسلم محافظ. شركة كروم النيل، التي تصنع نبيذًا عضويًا في منتجع الجونة المطل على البحر الأحمر، زرعت 120 فدانًا من العنب البناتي، وهو عنب محلي أصلي يستخدم في صنع النبيذ الأبيض في وسط مصر. ويقع الكرم على مبعدة ساعة في السيارة إلى الشمال من بني حسن، الموقع الذي يضم مقابر فرعونية تعود الى 3600 سنة. لبيب كلاس، المدير اللبناني لمصنع النبيذ، قال إن الفكرة هي صنع نبيذ محلي يتمتع بالمصداقية. وأضاف كلاس: "عندما يأتي سائح إلى بلد معين.. فإنه يريد أن يتذوق طعام البلاد وشرابها، عندما يأتي سائح إلى مصر ويحتسي نبيذًا ليس من صنع مصري فإنه أمر يبدو مخجلاً للغاية". ولشركة كروم النيل مزرعة عنب أكبر بكثير في الدلتا شمالي القاهرة، حيث تتم زراعة أصناف مستوردة من العنب لصنع نبيذ "جاردان دو نيل"، ويعتمد المزارعون على الري وعليهم المحافظة على توازن دقيق بمنح النباتات ما يكفيها من الماء لمواجهة حر الصحراء ولكن ليس بالكمية التي قد تخفف من نكهة العنب. ونظرًا لهذه الظروف، فإن مصر لن ترتقي على الأرجح لتكون منتجًا كبيرًا للنبيذ ولا تستطيع منافسة الدول القريبة منها مثل لبنان وإسرائيل وتركيا واليونان، إلا أن كلاس يقول إن مصنع النبيذ نجح في صنع منتج محلي يتحلى بالمصداقية والمتعة. وأضاف: "سواء أحببناه أو لا فهو نبيذ مصري، نحن فوجئنا بالفعل من النوعية التي قمنا بصنعها، لأن التحدي كان منذ البدء هو صناعة نبيذ قابل للشرب". وفاز نبيذ "جاردان دو نيل" بعدة جوائز في مسابقات نبيذ في أوروبا، كما منحته مجلة "ديكانتر" ميدالية برونزية في 2012. وكتب عنه توم كانافان، الكاتب الأسكتلندي المتخصص في النبيذ، مقالًا جيدًا على موقعه الإلكتروني هذا العام، فقال: "فرصة تذوق شيئًا جديدًا من مكان جديد، دائمًا ما تثير الاهتمام، وسأكون سعيدًا لو استمتعت بتناول كأس أو اثنتين من هذه الكروم المصرية مستقبلًا". مثل هذا الثناء لم يكن ليسمع به منذ عقد مضى، عندما كان النبيذ المصري لا ينتج عنه سوى صداع في الرأس. في العصور القديمة كانت مصر جزءا من تقاليد صنع الخمور في شرق البحر المتوسط. وتظهر رسوم المقابر الفرعونية أسلوب هرس العنب، والفراعنة وهم يحتسون النبيذ في كؤوس. وكان بناة أهرامات الجيزة يحظون حصة يومية من جعة بها نسبة منخفضة من الكحول - وهو مشروب أكثر صحية من مياه النيل. تراجعت صناعة الخمور بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، إلا أنها شهدت إحياء لفترة قصيرة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما كانت مصر خاضعة للاحتلال البريطاني، وكانت تقطن القاهرة جاليات أوروبية ويهودية وأرمنية كبيرة العدد. في 1882 أسس اليوناني نستور جاناكليس مصنعًا للخمور في الدلتا من كروم كان يغذيها الفيضان السنوي لنهر النيل، إلا أنه تم تأميمه في الستينيات، ثم شهد إهمالاً. في نهاية التسعينيات انتقلت هذه الصناعة إلى القطاع الخاص، وخلال سنوات قليلة اشترت شركة الأهرام للمشروبات، رائدة صناعة الجعة في مصر، شركة جاناكليس، وتمتلكها الآن مجموعة هاينيكن، فأعيد بناء المصنع وتطويره. وتزرع شركة جاناكليس الكروم التي تصنع منها نبيذها في موقع آخر بالدلتا، إلا أن أفضل إنتاجها يصنع من أعناب تستورد من فرنسا ولبنان وجنوب أفريقيا. ويشير مدير الشركة سباستيان بودري، الفرنسي الذي جاء إلى مصر في نهاية التسعينيات، إلى إجراء بعض التحسينات، مثل تصنيع براميل حفظ وتعتيق نبيذ "شاتو دو غرانفيل" الأحمر من خشب البلوط. ويصنع هذا النوع من النبيذ من كروم مستوردة من فرنسا. كما ساعدت أجهزة قياس الرطوبة وتكنولوجيا الأقمار الصناعية في وضع معايير افضل لري الكروم التي تزرعها الشركة بنفسها. وقال: "تحسنا من الصفر إلى 100 تقريبًا... لا نزال نستطيع دائمًا أن نتحسن، أشجار كرومنا لا تزال صغيرة". لم يكن لسنوات الاضطراب عقب انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك أثر كبير على أي من مصنعي الخمور، وقال كلاس إن 2011 سجَّل رقمًا قياسيًا للشركة، وأضاف ضاحكًا: "في عام الثورة كان الناس يمكثون في أماكنهم يشاهدون التليفزيون ويحتسون النبيذ". في مصر المحافظة حيث يشكل المسلمون 90% من السكان البالغ عددهم 90 مليون نسمة، فإنه من المستحيل عمليًا الدعاية للخمور خارج الفنادق الكبرى، يقول كلاس إن أكثر من 90% من زبائنه سائحون. مايكل كرم، خبير نبيذ إقليمي، ألَّف كتابًا عن أنواع النبيذ اللبنانية، يقول إن مصر أحرزت تقدمًا في السنوات الأخيرة، وهو صديق لكلاس، وتذوق نبيذ شركة كروم النيل في 2012. وقال عن كلاس: "نسبيًا، ما كان قادرًا على فعله هناك أمر لافت للنظر، لجهة نجاحه في صنع نبيذ قابل للشرب ومرموق". وقال كرم إن مصر لا تزال تتخلف بعقد أو عقدين عن لبنان التي ظهرت على الساحة الدولية في السنوات الخمس الأخيرة. وأضاف: "لا يمكنك أن تروج للنبيذ بمفرده، يجب عليك أن تروج لبلد... عليك أن تسوق فكرة مصر كبلد مصنع للنبيذ، لكن ذلك سيكون صعبًا لأن المستهلكين الدوليين ليسوا بتلك الجرأة".