هل قررت إيران اللا فعل ردا على اغتيال «هنية»؟
- إيران
- اغتيال هنية
- المقاومة الفلسطينية
- "مسعود بزشكيان"
- إيران
- اغتيال هنية
- المقاومة الفلسطينية
- "مسعود بزشكيان"
عند تحليل قرارات السياسة الخارجية التى يتخذها صناع القرار فيما يتعلق بالبيئة الخارجية المحيطة بدولهم، تتضمن مثل هذه القرارات صوراً عدة، إما اتخاذ إجراءات، أو عدم اتخاذ إجراءات Inaction، أو حتى التردد فى الفعل Indecision.
ومنذ أكثر من أسبوع تتسارع الأخبار الإقليمية والدولية عن طبيعة الرد العسكرى المضاد والمحتمل من قبَل «طهران» على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية. ومع ذلك وفى ظل تصريحات عدة من داخل إيران لم تنفذ تلك الضربة، بل أصبح الإعلام الإيرانى يسوق لموقف جديد هو اللا فعل وعدم الرد على إسرائيل.
فكيف يمكن تسويق قرار اللا فعل ضد إسرائيل للداخل الإيرانى وللجمهور، ما يسمى محور المقاومة، حال كان هو القرار النهائى فى التوقيت الحالى الذى اتخذه صناع القرار فى إيران؟
وما المبررات التى ستوظفها «طهران» لتبرير عدم الرد؟ رغم أن عملية الاغتيال تلك لها أهميتها، حيث وقعت داخل الأراضى الإيرانية لتؤكد سقوط قوة الردع الإيرانى فى مواجهة إسرائيل، ومن ثم وجد البعض أن الرد ضرورى لإعادة بناء قوة الردع الإيرانى.
لذا عقب اغتيال «هنية» أعلنت إيران بوضوح أنها سترد على الاغتيال، وحذر المرشد الإيرانى على خامنئى إسرائيل من رد قاسٍ على اغتيال «هنية»، واصفاً إياه بواجب إيران للانتقام لدم زعيم المقاومة الفلسطينية.
كما صرح الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان، فى بيان، بأن «إيران لن تفشل فى حماية سلامة أراضيها وسيادتها الوطنية وشرفها وهيبتها».
وفى ظل تزايد المخاوف بشأن تصاعد التوتر فى الشرق الأوسط واندلاع حرب فى المنطقة دفعت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية إلى بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لإثناء إيران وحزب الله عن الرد على إسرائيل.
وفى حين أن المواجهات بين إسرائيل وحزب الله مندلعة منذ أشهر، ولكن فى نفس مستوى قواعد الاشتباك التى تضمن عدم الانزلاق لحرب أوسع، وفى ظل الأجواء تلك ما زال الجميع ينتظر الرد الإيرانى والذى فى البداية قيل إنه لن يتجاوز ذات المسار السابق فى أبريل الماضى حينما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية فى دمشق وكان الرد الإيرانى متوقعاً وتبادلت الرسائل مع «واشنطن» بشأن ضرورة الرد حفظاً لماء الوجه وامتصاص إسرائيل الضربة ووقف المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل على أساس أنه تم استعادة توازن الردع بينهما.
لكن تنفيذ إسرائيل عمليتى اغتيال؛ الأولى لفؤاد شكر، أهم القادة العسكريين فى حزب الله، ثم إسماعيل هنية، داخل إيران، أسقط قوة الردع الإيرانية فى مواجهة إسرائيل، وأكد قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات داخل الأراضى الإيرانية ومهاجمة أكثر من جبهة فيما يسمى محور المقاومة.
لذا وجد الكثيرون أن الرد المضاد من جانب «طهران» ضرورة.
ومع انتظار طبيعة الرد الإيرانى وهل سيأتى منفرداً أم بالتنسيق مع الجماعات المسلحة فى الإقليم؟ وهل سيمتص «نتنياهو» الضربة وتتوقف الضربات بينهما أم سيقوم بتوجيه ضربة أشد وأكثر إيلاماً؟ ومع توالى التصريحات حول الاجتماع مع الجماعات المسلحة فى الإقليم، ودراسة الرد الإيرانى، بدأت تظهر مؤشرات تصب تدريجياً فى عدم حتمية رد إيران، ومنها الخطاب الأخير لحسن نصرالله، أمين عام حزب الله، فقد تحدث عن أن إيران ليست مجبرة على الرد.
ثم بدأت تتدفق الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية من أجل بحث طبيعة الرد الإيرانى، والتى تعاملت مع «طهران» كغطاءات دبلوماسية حاولت تسويقها لأن لا تقوم بإجراء عسكرى، بل اعتبرت الجهود الدبلوماسية الإقليمية فرصة للتفاعل مع الدول الإسلامية فى المنطقة، وإجراء مشاورات مع الدول الغربية، والتى إذا استخدمت بشكل فعال يمكن أن تحل بعض مشاكل إيران.
بعبارة أخرى التراخى عن القيام بفعل مضاد فى مواجهة إسرائيل.
وفى الوقت نفسه، فإن تحديد نوع الرد سيكون بالتنسيق مع محور المقاومة فى الزمان والمكان الذى تحدده إيران.
ومع الوقت حشدت إيران أسباباً عدة توفر إمكانية التراخى عن الرد، ومن ذلك مسألة تضارب المعلومات حول أبعاد اغتيال «هنية»، وهو ما يحاول الإعلام الإيرانى حالياً تسويقه داخلياً، على أساس أنه مبرر لعدم الرد ودراسة طبيعته، حيث لو كان الاغتيال تم من خلال طائرة أو صاروخ متوسط المدى، أو حتى بطائرة بدون طيار انطلقت من خارج إيران، لربما كانت طريقة تحديد رد الفعل الإيرانى مختلفة، عند الحديث عن وضع متفجرات داخل المبنى أو إطلاق صاروخ من مسافة قريبة وتورط عملاء مرتزقة داخل إيران، فإن رد إيران سيكون مختلفاً.
كما ترى أنه لا ينبغى التسرع فى الرد بالنظر إلى أهداف «نتنياهو» منها، والتى تدور حول اختياره توقيت انتخاب رئيس جديد تختلف شعاراته وبرامجه عن شعارات الحكومة السابقة، كما أن الولايات المتحدة على وشك إجراء انتخابات.
ومن ثم فإن اغتيال «هنية» هدفه كان زيادة التوتر فى المنطقة وجر إيران إلى حرب مباشرة، وخلق توتر فى العلاقات بين الحكومة الإصلاحية الجديدة والإدارة الأمريكية، ومن ثم كان هدف «نتنياهو» هو أن ترد إيران وأن تجر «واشنطن» بشكل مباشر.
ومن ثم فإن التوتر بين «طهران» و«واشنطن» سيتسبب فى هزيمة محتملة للديمقراطيين وانتصار محتمل لـ«ترامب»، لذا اعتبرت إيران أن اغتيال «هنية» كان هدفه مؤامرة ضد المصالح الوطنية لإيران التى تديرها الآن حكومة شعارها التفاعل الدولى وخفض التصعيد، ومن ثم فعلى إيران تحييد المؤامرة بعدم الرد.
ويمكن الرد على هذه المسألة بأن وجود رئيس إصلاحى أو متشدد ليس هو مفتاح التفاعل الإيرانى مع الغرب، بل المصالح الإيرانية ومدى الحاجة للتصعيد من عدمه، فكان هناك تصعيد فى ظل حكومة حسن روحانى وإدارة دونالد ترامب، كما تمكنت حكومة إبراهيم رئيسى، المتشدد، من إبرام صفقات مع إدارة بايدن والإفراج عن مليارات الأموال الإيرانية المجمدة فى بنوك كوريا الجنوبية وكذلك من العراق.
أمر آخر توظفه إيران فى سياق تبرير عدم الرد أو اللا فعل فى مواجهة إسرائيل، وهو البيان المصرى الأمريكى القطرى، الذى حدد موعد استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة والذى لقى دعماً من معظم دول العالم، وأعلنت إيران دعمها له، فقد أصدرت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة بياناً أكدت فيه أن التوصل لوقف إطلاق النار يشكل أولوية قصوى لإيران، كما أملت أن يتم رد إيران على إسرائيل فى الوقت المناسب بطريقة لا تضر وقف إطلاق النار المحتمل.
هنا تعتبر إيران أن ردها سيكون معوقاً لجهود وقف إطلاق النار فى غزة، لذا قال ممثل إيران لدى الأمم المتحدة إن الهجوم الانتقامى المحتمل لبلاده ضد إسرائيل سيكون «محدد التوقيت ومُداراً بطريقة لا تعرض وقف إطلاق النار المحتمل فى غزة للخطر»، ما يشير إلى أن الرد قد يكون أقل حدة مما ادعى فى البداية.
تعتبر إيران أن التفاعل الدبلوماسى الإقليمى والدولى معها، فضلاً عن قدرتها على إجراء فعل ميدانى، وموازنتها بين الميدانى والدبلوماسى، يظهر النضج السياسى والدفاعى لإيران، بعيداً عن السلوك الانفعالى الذى حققته بالاعتماد على قدراتها المحلية، لكن المفارقة هنا أن إيران وهى تروج لهذه الصورة تدفع بباقى ما يسمى بمحور المقاومة للقيام بالفعل العسكرى بما ينعكس على الأمن والاستقرار الإقليمى، ومن ذلك ما يحدث فى غزة والبحر الأحمر من أحداث أثرت على اقتصاد الدول الواقعة عليه.
وفى إطار عدم الرد الإيرانى، حفاظاً على مكاسبها الاستراتيجية، ستعمل «طهران» على إشراك الجماعات المسلحة للقيام بالعمل هى، فقد نفذت الميليشيات الموجودة بسوريا هجومين على القوات الأمريكية، هذا غير الهجوم المحتمل والمنتظر من قبَل حزب الله، فضلاً عن التصعيد الحوثى فى البحر الأحمر، إلى جانب الميليشيات العراقية.
الغالب الآن فى التصريحات الإيرانية وما يتم ترويجه داخلياً أن إيران لم تتراجع عن الانتقام لمقتل «هنية»، لكن التركيز الأكبر على الوقت والتناسب.
المرجح أن إيران استطاعت أن توظف الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية فى خلق مبررات تثنيها عن القيام برد عسكرى ضد إسرائيل، ستدفع إيران ثمنه لأن من المرجح أن «نتنياهو» كان سيرد بآخر، وتبدأ جولة جديدة من الانتقام بينهما، ولا تريد إيران أن تخسر بعض المكاسب الاستراتيجية الآن بالانجرار لمواجهة مع إسرائيل على حساب المحادثات غير المباشرة بين «طهران» و«واشنطن»، أو أن يتم تحويل ملفها النووى لمجلس الأمن فى ظل تقارير استخباراتية أمريكية عن أن إيران تجرى أبحاثاً موسعة تجعلها فى وضع أفضل لإطلاق برنامج للأسلحة النووية.