«نتنياهو» وعشق الموت
مع قهوة الصباح وجريدة اليوم تتجول العيون فوق ذلك العمود (حظك اليوم)، وهذه ليست عادة يومية فقط بل إدمان لأن اليوم الذى يبدأ بكلمات خير وتفاؤل وجمال يصبح يوماً سعيداً بلون الورود والياسمين، أما إذا كانت الدعوة دائماً وسط هذه الكلمات للحب فستصبح الحياة كلها ملونة بحرفيه اللذين لعبا دور البطولة دائماً وأبداً. فهما أبطال الأغانى بالعربى الفصيح والقصائد والأغانى الشبابية وأغانى المهرجانات بكل لغات العالم، وهما أبطال الأفلام الرومانسية بل حتى أفلام الجريمة والخيال العلمى والواقع والدراما وكل فروع السينما يلعبان فيها دور البطولة المطلقة.
ولكل منا هدف يعيش حياته كلها من أجله ولا يتنازل عنه أبداً وكلما دارت به الأيام يزداد إصراره على تحقيقه والوصول إليه، إلا أن دورة الأيام قد تغير ملامح الهدف وشكله ومكوناته طبقاً لما تفعل الأيام بصاحبه وما يقابله من مصاعب أو نجاحات. وفى الأحداث الدموية التى يعيشها العالم الآن تظهر شخصية نتنياهو عاشق الموت والدماء وكأنه يقرأ يومياً عمود «حظك اليوم» فيجده دعوة للقتل وسفك الدماء والتدمير وسحق الأعداء ومعهم شركاء العمل الذين يتصور أنهم قد ينقلبون عليه يوماً ويتحولون لمنافسين.
ولأن إسرائيل اتّبعت سياسة الاغتيالات منذ قيامها وحتى الآن فقد خصصت (ويكيبيديا) صفحات تحت عنوان (قائمة الاغتيالات الإسرائيلية) تبدأ من يوليو 1956 وتمتد على مدار 68 عاماً وحتى الآن. وأغلبية من تضمهم هذه القائمة من الفلسطينيين ومن بينهم أشهر القادة الفلسطينيين، ولأن إسرائيل تسير على خط لا يتغير اتجاهه فقد اعتبرت مراكز الدراسات العالمية نتنياهو الصورة الحقيقية لهذا الكيان، وفى دراسة أجراها أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب شاؤول قمخى حاول أن يتقصى السمات الشخصية لبنيامين نتنياهو اعتمدت الدراسة على تحليل السلوك العلنى له وعلى ما كتبه وعلى التصريحات التى يطلقها والأخبار التى تنشر فى الصحف الإسرائيلية والمقابلات التليفزيونية التى أجراها.
واستخدمت الدراسة طريقة مقاييس الأفكار والمشاعر والأفعال التى لديها الاستمرارية مع مرور الوقت. وقد خرجت نتائج تلك الدراسة لتؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يمتلك العديد من سمات الشخصية النرجسية بما فى ذلك الميل نحو تعظيم الذات مع طموح قوى وانتهازية وتفانٍ كامل فى تحقيق هدفه وفشل فى الاعتراف بالضعف ورفض اللوم والعلاقات التلاعبية واستخدام الأشخاص الآخرين لتحقيق أهدافه وغياب النزاهة فى السياسة ونقص فى الأخلاقيات الشخصية والسياسية وحساسية كبيرة للانتقاد.
وبحسب الدراسة فإن نتنياهو قد أحرز درجة مرتفعة فى نقطة الالتفاف حول الذات حيث يعد النجاح الشخصى أكثر أهمية بالنسبة له من الأيديولوجيا التى يقول إنه يسعى لتحقيقها، بل ولا يتردد فى استغلال الآخرين بمن فى ذلك زملاؤه من أجل تحقيق النجاح الشخصى. كما يعتبر نفسه أكثر فهماً للأمور من الآخرين وبالتالى فإنه يرى من لا يتفقون معه على أنهم لا يفهمون السياقات التاريخية أو السياسية فهماً صحيحاً.
وتنقل الدراسة دليلاً على ذلك عدة مشاهد منها شهادة صحفى أجرى مقابلة معه ادعى نتنياهو خلالها أنه يميز العمليات التاريخية التى لا يميزها الآخرون، وفى هذا السياق فإن موقفه تجاه الأشخاص الذين يعملون معه عن كثب يظهر بوضوح تمركزه حول ذاته بل إن بعض السلوكيات تكشف عن انشغاله بالذات لدرجة أن الآخرين لا يتلقون أى اعتبار، وتظهر هذه السمة بوضوح فى تعامله مع زملائه السياسيين حيث يواجه مشكلة فى فهم وتقدير أى وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره، كما تظهر فى خطبه.
وحول السبب فى استمراره الطويل فى منصبه، حيث يمثل أطول فترة رئاسة وزراء لإسرائيل، فقد أشارت الدراسة إلى أن أبرز سمتين فى شخصية نتنياهو وهما لا يشيران إلى أخلاقية العمل، السعى المستمر للوصول للقمة مهما كان الثمن والتنازلات والتجاوزات التى يمكن أن يقدمها، وإزاحة المنافسين. كما وصفته الدراسة بأنه شخصية متلاعبة إلا أنه لا يرى فى هذا التلاعب أى سمة غير أخلاقية بل يرى لعبة السياسة محكومة بقوانين الغابة، حيث لا يبقى إلا الأقوياء ويسقط الضعفاء، وبالتالى فإن تحقيق الهدف يبرر أى وسيلة وبأى تكلفة.
ونتيجة لكل ما سبق من سمات شخصية تعلن عن عشق صاحبه باختصار شديد للموت، فإن قائمة ويكيبيديا التى وصفت بالفظاعة فى وسائل الإعلام لا تحكى سوى قصص جزئية من الحقيقة لأنها فشلت فى إدراج عدد المدنيين الذين قتلوا خلال كل محاولة اغتيال ناجحة أو فاشلة للقادة والرموز فى هذا الصراع الذى لم ينته بعد.