بالفيديو| "الوطن" تكشف فى تحقيق استقصائى خطير: مياه معدنية "مغشوشة"
![بالفيديو|](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/359415_Large_20150609094011_12.jpg)
معلومة صغيرة حول قيام عدد من الاشخاص بتعبئة المياه العادية على أنها مياه معدنية، داخل زجاجات تحمل علامات تجارية وهمية لشركات كبرى وبيعها للمواطنين، داخل إحدى الشقق «مصانع بير سلم» فى طنطا، كانت هى مفتاح التحقيق الذى حاولت «الوطن» من خلاله اختراق «عالم المياه المعدنية المغشوشة فى مصر»، ففى الوقت الذى أعلنت فيه الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة، أن مصر لا تمتلك آبار مياه معدنية، على الإطلاق، وطبقاً للمواصفة الأخيرة التى أصدرتها الهيئة العامة للمواصفات والجودة عام 2007، والتى تحمل رقم 1589، ظهر فيها أن مياه الشرب المعبأة داخل زجاجات، والتى يتم تداولها فى مصر، هى مياه «غير معدنية طبيعية»، وإنما هى مياه مخصصة للاستهلاك الآدمى، وقد تحتوى على معادن موجودة طبيعياً أو مضافة عمداً، وقد تحتوى على ثانى أكسيد الكربون موجود طبيعياً أو أُضيف عمداً، لكنها لا تحتوى على سكريات أو مواد تحلية أو مكسبات نكهة، أو أى مواد غذائية أخرى.
المعلومة التى حصلنا عليها تصف بالضبط المكان الذى يتم فيه تعبئة المياه المغشوشة، وكان علينا أن نستوثق من صحتها. توجهنا إلى المكان الذى تمت الإشارة إليه، وسط حالة من الحذر والحيطة، لنكتشف أنه عبارة عن شقة بالطابق الأرضى فى عقار من 3 طوابق، فى أحد أحياء مدينة طنطا، تخرج منه فتاة بملابس مبتلة قليلاً، بدا عليها أنها من العاملات. وفى الداخل كانت هناك 3 فتيات أخريات يجلسن أمام خزانات متوسطة الحجم لتعبئة المياه فى زجاجات، وشاب يضع غلافاً على غطاء الزجاجة ويلصقها من خلال جهاز تصفيف الشعر «سيشوار»، ويلصق «الاستيكر» على جسم الزجاجة من المنتصف ثم يضعها داخل كراتين.
كانت البداية بسؤال العاملات عن فرصة عمل، فطلبن رقم الهاتف لتسليمه إلى صاحب العمل وإبلاغه بالطلب ووعدن بالرد حال الموافقة. فى اليوم التالى أخبرتنى إحدى الفتيات عبر الهاتف أن صاحب العمل لا يحتاج إلى عمال حالياً، ولو احتاج ستخبرنى. وبعد أسبوع عاودت الاتصال لأستفسر منها عن طبيعة العمل، فأخبرتنى أنهم 4 عمال (3 فتيات وشاب) يقومون بتعبئة المياه العادية «المحطات الحكومية» فى زجاجات مياه تحمل علامات تجارية لشركات كبرى متخصصة فى إنتاج المياه المعدنية، وأيضاً وضعها داخل كراتين تحمل أسماءها وعلاماتها التجارية، وتحميلها فى سيارات تابعة لأشخاص يطلق عليهم «موزعين» يقومون بتوزيع هذه الزجاجات على أصحاب الكافتيريات والأكشاك والذين يقومون ببيعها للمواطنين على أنها «مياه معدنية».[FirstQuote]
«أنا مش راضية عن اللى باعمله» هكذا اعترفت الفتاة عندما سألتها عن مدى مشروعية العمل الذى تقوم به، وبررت ذلك بـ«الظروف الأسرية والحياة المادية الصعبة»، والتى أجبرتها على أن تمارس ذلك العمل، مشيرة إلى أن تعبئة المياه الحكومية فى زجاجات تحمل علامات تجارية معروفة وأحياناً وهمية، هو أمر منتشر خاصة فى القرى، ولخصت نشاط تعبئة «المياه المعدنية المغشوشة» بالقول إن تعبئة المياه العادية وبيعها على أنها معدنية للمواطنين يحقق أرباحاً كبيرة، وكثير من الأشخاص تغير مستواهم المادى بسبب التجارة فيها، والآن يمتلكون مصانع ومحلات وورشاً، وتوجد شقق «بير السلم» تعمل فى هذا المجال ومنتشرة فى مناطق ومحافظات مختلفة.
محاولات عدة سعياً لدخول المكان كأحد العاملين لكنها باءت بالفشل بسبب عدم احتياج صاحب العمل إلى عمال، وفى آخر المحاولات قدمت نفسى لأصحاب هذه المصانع على أننى أرغب فى إنتاج مياه معدنية، وأطلب منهم المشورة، ودلتنى الفتاة على شخص يدعى «م. ا» ترك المجال منذ فترة بعد أن امتلك مصنعاً لإحدى المواد الغذائية، ولديه خبرة كافية بهذا المجال وغالبية من يرغب الدخول فى إنتاج المياه يأخذ رأيه أولاً، لكثرة معارفه من أصحاب مصانع البلاستيك والموزعين، وجرت مقابلته لعرض الأمر عليه، فأكد أنه كان يعمل فى هذا المجال لعدة سنوات وتركه منذ فترة قصيرة، والعمل فيه يدر دخلاً كبيراً على صاحبه.
وأوضح أن مجال تعبئة المياه يمر بعدة مراحل، أولاها: شراء الزجاج الذى تعبأ فيه المياه، ويوجد نوعان من الزجاج وفقاً للحجم، زجاجة سعتها لتر وزنها 32 جراماً ثمنها 52 قرشاً، وزجاجة سعتها نصف لتر وزنها 19 جراماً ثمنها 32 قرشاً، ويتم شراؤها بطرق غير مشروعة من مصانع بلاستيك فى المنطقة الصناعية بقويسنا بالمنوفية. أما المرحلة الثانية فتتضمن توفير مكان العمل ويفضل أن تكون عبارة عن شقة صغيرة الحجم فى مكان غير مزدحم بالسكان والأفضل من ذلك أن تكون المصانع فى القرى حتى يصعب اكتشافها، وتوفير عمال، على الأقل 4، ويفضل أن يكونوا على علاقة قوية بصاحب العمل ويثق فيهم، خوفاً من الإبلاغ عنه. والمرحلة الثالثة: الاتفاق مع مطبعة على طبع الاستيكرات وغلاف غطاء الزجاجة، ثم توفير جهاز «سيشوار» لاستخدامه فى لصق الغلاف على الغطاء، و«ختّامة» لطبع تاريخ إنتاج وانتهاء الصلاحية على جسم الزجاجة كما تفعل شركات المياه بحيث لا يكون هناك أى فرق بين تلك الزجاجة والزجاجة الأصلية ويصعب على المواطن التفرقة بينهما، ثم الموزع وهو الشخص المعنى بتسلم البضاعة وتوزيعها على العملاء.
وبسؤاله عن أى أنواع المياه يفضل استخدامها، هل مياه المحطات الحكومية أم المحطات الأهلية والجمعيات الشرعية؟ أشار إلى أنه كان يستخدم مياه المحطات الحكومية لأنها مياه مضاف عليها مادة الكلور ما يجعلها صالحة لأطول فترة ممكنة، ولعدم ظهور أى شىء يكشف أمرها بأنها ليست مياهاً معدنية، وهذا على عكس مياه المحطات الأهلية والجمعيات الشرعية والتى يظهر عليها «ريم» بعد فترة قصيرة لا تتعدى الـ 3 أيام.
وأكد صاحب الخبرة فى «تعبئة المياه» أنه قبل تركه العمل فى هذا المجال بفترة قصيرة أراد استخدام مياه المحطات الأهلية والجمعيات الشرعية، لأنها «مفلترة ونقية»، لكنه قبل البدء فى استخدامها، أخضعها إلى التجربة، بملء زجاجة من تلك المياه وبعد مرور يومين اكتشف ظهور الريم بها، ما جعله يعود لاستخدام مياه المحطات الحكومية.
وواصل الشرح قائلاً: «زجاجة المياه لا بد من تعبئتها فى كراتين تحمل نفس بيانات الشركة، ويتم تجهيزها ونقلها للموزع الذى بدوره يقوم ببيعها لعملائه، أصحاب الكافتيريات والمقاهى والأكشاك الموجودة على الطرق والأماكن العامة وفى مواقف السيارات وبالقرب من المستشفيات وعلى أرصفة محطات القطارات». موضحاً أن تكلفة الكرتونة سواء الكبيرة أو الصغيرة لا تتعدى الـ10 جنيهات، ويتم بيع الكرتونة الواحدة إلى الموزع بـ 20 جنيهاً والذى يقوم ببيعها إلى العملاء بـ 30 جنيهاً وفى النهاية يقوم «العميل» صاحب الكشك أو الكافتيريا ببيعها للمواطنين بالسعر الحقيقى للمياه المعدنية حتى لا يشك فى أمرها. وبمجرد الانتهاء من كلامه طلبت منه أن يعرّفنى على أصحاب مصانع البلاستيك وأماكنها وأيضاً المطابع والموزعين، وبعد الاتفاق أكد لى أن أصحاب تلك المصانع والمطابع والموزعين لا يتعاملون إلا مع أشخاص معروفين لديهم، وأنه على علاقة قوية بهم وتوجد ثقة متبادلة بينهم.
غادرنا المكان وبيننا اتفاق على أن يقوم هو بتحديد موعد مع أحد الموزعين لمقابلته والاتفاق معه على الأسعار التى يشترى بها، وفى حال الاتفاق مع الموزع، سيتم التوجه إلى أصحاب المصانع للاتفاق على نوع الزجاجة وأيضاً المطابع لطبع الكراتين وبالنسبة للاستيكرات والأغلفة فلن نحتاج لطباعتها، نظراً لوجود كميات كبيرة منها بمخزنه، منذ أن كان يمارس نشاطه.
مضى 4 أيام، وعلى أحد المقاهى الصغيرة تمت مقابلة أحد الموزعين الكبار بمحافظات وسط الدلتا، فكان سؤاله الأول: «استطاعتك الإنتاجية فى اليوم كام كرتونة؟».. فأجبنا: «الكمية اللى تحتاجها»، فقدم العرض قائلاً: «سعرى النهائى وبدون أى فصال، الكرتونة بـ 20 جنيه مهما كان نوعها أو حجمها، وما يهمنيش الميه نضيفة أو مش نضيفة، أهم شىء تكون الزجاجة متبرشمة كويس والاستيكر مظبوط عليها، لو الميه جايبها من المصرف ماتقلقش هتتباع، الزبون دائماً بينظر أولاً إلى البرشامة وليس نوع المياه وطالما وجد البرشام تمام والشكل تمام تبقى الميه تمام». وبعد الاتفاق مع الموزع غادرنا، لتبدأ مرحلة اختيار نوع الزجاجة والكمية المطلوبة.
فى مساء نفس اليوم تلقيت مكالمة تليفونية من (م.ا) يخبرنى أن هاتف صاحب مصنع «ا.ل» مغلق وعلينا التوجه إلى المنطقة الصناعية بقويسنا فى محافظة المنوفية، لمقابلته والاتفاق معه على كمية من الزجاجات الفارغة، وفى صباح اليوم التالى ذهبنا إلى المنطقة الصناعية بقويسنا وتحديداً فى «المنطقة الثانية»، وبمجرد وصولنا إلى المصنع فوجئنا بأن بوابته الرئيسية مغلقة وبالاستفسار من بعض العاملين الجالسين على مقهى مواجه للمصنع أخبرنا أحدهم بأن قوات الشرطة والمسئولين داهموا المصنع منذ 4 أشهر، وتم غلقه بعد ضبط زجاجات فارغة بدون أذونات شغل من شركات مرخصة، وأنه يقوم ببيع تلك الزجاجات الفارغة إلى مصانع بير سلم لاستخدامها فى تعبئة مياه الشرب المعدنية وغيرها من المنتجات المغشوشة.[SecondQuote]
تعرفنا على عامل آخر، وعندما علم أننا عملاء للمصنع، ونريد طلبية زجاجات مياه فارغة، أخبرنا بأنه أحد عمال المصنع وأنهم يعملون فى الخفاء ومستمرون فى إنتاج الزجاج، وإذا أردنا دخول المصنع فعلينا التوجه إلى البوابة الفرعية، وبالفعل توجهنا برفقته ودخلنا بالفعل وصعدنا إلى الطابق الثانى حيث مكتب صاحب المصنع، عبارة عن مكتب صغير وبجواره «ترابيزة» فوقها عينات زجاج مختلفة، وبسؤاله عن نوع معين من الزجاجات المشهورة، أخبرنا صاحب المصنع بعدم وجودها، وأيضاً عدم توافر «الإسطمبة التقليدية لها» حالياً، وعرض علينا عينات مختلفة من الزجاجات الموجودة فوق الترابيزة، لكن مع إصرارنا على نفس نوعية الزجاجة طلب منا التوجه إلى «ا.ب» صاحب مصنع مجاور على بعد نحو 10 دقائق وهناك سنجد ما نريده.
توجهنا بالفعل إلى مقر المصنع وتقابلنا مع المدير المسئول «م.ع» وأخبرنا أنه لا يقدر على صناعة الزجاجة الأصلية خوفاً من المساءلة، لكن لديه الإسطمبة التقليدية «اللى عيونك تشوفها على أنها الزجاجة الأصلية ولكن فى الحقيقة هى مقلدة»، لافتاً إلى أن ماكينات مصنعه تعمل فى الوقت الحالى لإنتاج طلبيات زجاجات زيت، وسيبدأ فى صناعة زجاجات المياه المعدنية فى غضون شهر مع بدء دخول موسم الصيف، والذى بطبيعته يشهد زيادة فى عمليات الشراء والبيع بسبب الإقبال الكبير على المياه المعدنية من قبل المواطنين، خاصة فى المصايف، وأضاف: «العينة التى تبحثون عنها متوفر منها كمية نحو 20 ألف زجاجة عند (م.ا)، واحد من العملا اللى بيشتغلوا معانا من كوم حمادة، بحيرة، لكنه غيّر نشاطه دلوقتى وشغال فى مجال تعبئة السكر والأرز والصلصة»، أنهى الرجل حديثه بعد أن أعطانا رقم هاتف صاحب مصنع كوم حمادة للتواصل معه.
فى اليوم ذاته تم الاتصال بصاحب المصنع، وتبين أنه فى القاهرة، وبعد أن أبلغناه أننا من طرف مصنع (ا.ب) طلب منا التوجه إلى مدينة كوم حمادة وسيكون فى انتظارنا (ح) أحد العاملين بالمصنع ليسلمنا الكمية المطلوبة، وفى اليوم التالى توجهنا إلى العنوان لنتقابل معه، وحصلنا منه على الكمية المطلوبة (300 زجاجة) مقابل 150 جنيهاً، وغادرنا بها إلى مكان العمل لتبدأ المرحلة الثانية.
توجهنا إلى إحدى المطابع بطنطا والتى تتعامل مع مصانع بير السلم فى صناعة الكراتين، وتمت مقابلة المسئولين عنها، وبعرض الأمر عليهم بأننا نريد كراتين لتعبئة مياه معدنية خاصة، فأبلغنا أن الكرتونة الواحدة تكلفتها 2٫5 جنيه وأقل طلبية يمكن تنفيذها 100 كرتونة، بسبب أن ماكينات الطباعة لا تقبل بأقل من ذلك، وبعد الاتفاق معه على نوع الكرتونة وأن تكون البيانات المكتوبة عليها هى نفس بيانات الكرتونة الأصلية، أخبرنا فى حالة الاتفاق ستكون الكمية المطلوبة جاهزة خلال 3 أيام، وبالفعل توجهنا فى الموعد المحدد إلى المطبعة وتم تسلم الكمية المطلوبة.
داخل فناء محاط بسور مرتفع ملاصق لمنزل بسيط مكون من 3 طوابق، على مدخله بوابة حديدية صغيرة الحجم يعلوها جملة «ما شاء الله» بشكل زخرفى، وعشة بداخلها بعض الطيور «بط ودجاج» تجرى عملية تعبئة المياه على قدم وساق، فى الداخل كانت هناك غرفة كبيرة بها منضدة فوقها «جردل وكنكة وفوطة وجهاز سيشوار»، وبجوارها مجموعة زجاجات فارغة وكراتين واستيكرات، وفى الجهة المقابلة مجموعة كراتين متراصة ومعدة للبيع، يوجد 3 أشخاص، كل منهم يعرف مكانه وما دوره فى تلك المرحلة.
الأول رجل فى العقد الخامس من عمره، يجلس على كرسى خشبى أمامه مجموعة من الزجاجات الفارغة يضع عليها الاستيكرات، ثم يطرحها على الأرض بجواره ليتناولها الثانى صاحب العقد الرابع من عمره، والذى بدوره يملأها بالمياه الموجودة داخل جردل مستخدماً «كنكة» وبعد الانتهاء من تعبئتها، يضعها على المنضدة، ليأتى الثالث صاحب العقد الثانى من عمره والذى يقوم بمسح الزجاجة مستخدماً فوطة، ويضع الغطاء ثم يغلفها مستخدماً جهاز السيشوار للصق أجزاء الغلاف على غطاء الزجاجة، ويتوجه بها لوضعها فى الكرتونة، وبعد استكمال عدد 12 زجاجة من الحجم الكبير، و20 من الحجم الصغير يتم وضعها داخل الكرتونة، يقوم بغلق الكرتونة مستخدماً لاصقاً عريضاً، ثم يقوم بنقلها لآخر الغرفة وتجهيزها للموزع.
يقطع الصمت المخيم على المكان، صوت الرجل الخمسينى منادياً نجله صاحب الـ 15 عاماً: «الميه اتأخرت ليه، الجردل فاضى، بسرعة شوية، مش عاوزين نعطل، الطلبية كبيرة، ولازم تخلص النهارده». يأتى الطفل وبسبب خطوات قدميه المسرعة يهتز الجردل فتسقط منه المياه ليصيح الرجل الخمسينى: «بالراحة شوية، وركز وانت ماشى، وبسرعة هات الجردل التانى».
أحد العمال بادر قائلاً إن وجودهم فى هذا الفناء ليس بشكل دائم وإنما بصفة مؤقتة، نظراً لتجهيز المخزن بالطابق الأرضى والذى كانوا يعملون فيه من قبل وكان يوفر عليهم مشقة نقل المياه فى الجرادل لأنهم كانوا يستخدمون مباشرة «الخرطوم الواصل مباشرة بالصنبور» فى تعبئة زجاجات المياه، إلى جانب أن وجودهم فى الفناء يعرضهم للخطر بأن يراهم أحد من الأهالى فيكشف أمرهم، ولكنهم غامروا بذلك مجبرين لأنهم ملتزمون بطلبية ولا بد من تسليمها ولا يجوز تأخيرها.
يعتبر «الموزع» العنصر الرئيسى فى عملية تعبئة المياه وبيعها، وبدونه تفشل العملية، حيث يحمل على عاتقه مسئولية توزيع المياه ويخاطر بسياراته، لذلك تكون نسبته فى سعر بيع الكرتونة الواحدة نحو 10 جنيهات.
كان من السهل أن نتعرف على الأماكن التى يتم توزيع تلك المياه فيها وجميعها أماكن عامة تتميز بكثافة المواطنين بها ومنها الأكشاك الموجودة أمام المستشفيات العامة، وكليات جامعة طنطا، ومواقف السيارات، والميادين العامة، وبعض الكافتيريات خاصة الموجودة على الطرق السريعة، وبعض قاعات الأفراح، وغالبية الأكشاك الموجودة فوق أرصفة محطات القطار، والسجون العامة حيث يستغل الموزعون زيارات المواطنين لذويهم المحبوسين على ذمة قضايا وتنفيذ أحكام صادرة ضدهم.
توجهنا إلى 3 من تلك الأكشاك وسألنا أصحابها عن مدى احتياجهم لزجاجات مياه، وبسؤالنا عن الأسعار أكد لنا أحدهم أن الأسعار تختلف وفقاً للنوع ومدى إقبال المواطنين عليها، فطلبنا منه قائمة بالأسعار، والثانى تم الاتفاق معه على توريد كميات معينة، والثالث أكد أنه يتعامل مع عدد معين من الأشخاص لتوريد زجاجات المياه له، وأن فصل الصيف يعتبر موسم بيع المياه، وأنه يستعد لهذا الموسم بتخزين كميات كبيرة من تلك المياه داخل مخزن فى بيته، ويومياً يأخذ من المخزن كميات بسيطة إلى الكشك، وذلك تحسباً لأى حملات تموينية يقوم بها المسئولون على الأكشاك، فتكون المضبوطات بسيطة، وليس لديه أى مانع من شراء كمية لكن بسعر 14 جنيهاً للكرتونة الواحدة.
وبعيداً عن الأكشاك توجهنا لأصحاب الهايبرات والسوبر ماركت الكبيرة لتتعرف منهم على كيفية شراء المياه ومدى تأكدهم بأنها مياه أصلية وليست مقلدة، فأكدوا جميعاً أنهم يتعاملون مع الشركات الكبرى والحاصلة على تراخيص ومعترف بها لدى جهاز حماية المستهلك، وأنهم لا يتسلمون المنتج إلا بفواتير تحمل اسم وختم الشركة صاحبة المنتج، وهم بشكل دائم على تواصل مع الشركات المنتجة للمياه.[ThirdQuote]
وفى إدارة مباحث التموين بمحافظة الغربية أكد العميد أحمد الخواجة، مدير إدارة مباحث التموين بمحافظة الغربية، أن غش المياه ينقسم إلى نوعين: الأول؛ يتمثل فى محطات تنقية مياه تنشئها جهات معينة فى القرى والمدن بترخيص أغراض صناعية، حيث إن القانون يمنع إنشاء محطات تنقية مياه للشرب، لكن القائمين على تلك المحطات يستخدمونها لبيع المياه إلى المواطنين فى جراكن للشرب، والنوع الثانى؛ مياه يتم تعبئتها داخل مصانع بير سلم فى زجاجات تحمل ماركات وأسماء شركات كبرى وبيعها للمواطنين على أنها مياه معدنية، وهذا النوع أشد خطراً وهو نوع طور من نفسه ودخل مرحلة الغش التجارى.
وأوضح «الخواجة» أن هناك حملات بشكل دائم تقوم بها الإدارة على تلك المصانع «بير السلم»، وتمكنت الإدارة مؤخراً من ضبط كميات كبيرة فى مراكز طنطا والسنطة وكفر الزيات وزفتى، ودائماً يزداد أعداد تلك المصانع خلال شهور الصيف، وهذا يرجع إلى نسبة الإقبال الكبيرة على المياه من قبل المواطنين، مشيراً إلى أن الإدارة بمجرد رصد تلك الأماكن بناءً على معلومات ترد لها، تشن حملات مفاجئة عليها مصطحبة مفتش أغذية من قبل مديرية التموين والتجارة لأخذ عينة من العبوات وإرسالها إلى معامل وزارة الصحة لتحليلها، ويتم التحفظ على المضبوطات ومصادرتها وغلق المكان، وإن كانت مصانع بير السلم الخاصة بغش المياه المعدنية لا تحتاج إلى عينات لتحليلها، مبيناً أن المتهم يتمتع بالذكاء، فالكثير من القائمين على مصانع بير السلم يغير مكانه بمجرد أن يشعر أن المكان تم رصده من قبل الأجهزة الأمنية، أو بعد دفع الغرامة، خاصة أن تلك الصناعة لا تحتاج إلى معدات كثيرة سوى زجاجات فارغة واستيكر وصنبور مياه. ولفت إلى أن القوانين تحتاج إلى تنقيح وتعديل، وهذا يحتاج إلى سلطة تشريعية من أجل وضع قوانين تتسم بعقوبات صارمة على هؤلاء المخالفين، قائلاً: «القانون ليس فيه فساد سياسى والقاضى ملتزم بنص القانون وأحكامه»، ومن القوانين التى تحتاج إلى تعديل مرسوم قانون 95 لسنة 1945 التجارى والذى يقضى فى غالبية الأحيان بغرامة مالية قدرها 50 جنيهاً.
الدكتور سامى النحاس، وكيل مديرية التموين والتجارة بالغربية، أكد أنهم يعتمدون على التحريات والمعلومات الواردة إلى المديرية، وبناءً عليها تقوم حملة من المديرية بالتوجه إلى مكان المعلومة أو الشكوى لفحصها وفى حالة صحة المعلومة أو الشكوى يتم التحفظ على المضبوطات وتحرير محضر بالواقعة. مشيراً إلى أن المديرية فى الوقت الحالى لم تتلقَّ شكاوى أو معلومات بوجود مصانع بير سلم لتعبئة المياه العادية على أنها مياه معدنية، وتوجد غرفة بالمديرية تتلقى الشكاوى على مدار 24 ساعة، ويتم التعامل مع أى شكوى بجدية، مبيناً أن المواطن عليه دور كبير فى القضاء على السلبيات والمساعدة فى ضبط سلع الغش التجارى، وهذا الدور يتخطى نسبة الـ 99٫5%، فلابد من مساعدة المسئولين فى ضبط السلع التجارية المغشوشة، قائلاً: «لن نضع على كل مواطن مفتش أغذية».
وكشف «النحاس» أن أغلبية مفتشى الأغذية ليس لديهم أى دراية أو ثقافة بقوانين التموين والعقوبات الموجودة بها، ما يجعلهم يوجهون الاتهام وفقاً لمرسوم قانون 95 لسنة 1945، الخاص بشئون التموين والذى يقضى بغرامة 50 جنيهاً، متجاهلين أن هناك القانون رقم 281 لسنة 1994 الخاص بقمع الغش والتدليس وفيه يتم تغليظ العقوبة وفقاً للضرر والأثر الواقع على المواطن من استخدام تلك السلعة المغشوشة، حيث تتخطى الغرامة الـ 10 آلاف جنيه، والحبس لمدة عام، وقد تصل العقوبة إلى الحبس بالأشغال الشاقة المؤبدة فى حالة وفاة المستهلك جراء استخدامه السلعة المغشوشة، مطالباً مفتشى الأغذية بأن يكون لديهم وعى بالقانون وكيفية توجيه الاتهام للمتهمين، حتى يتم توقيع أقصى عقوبة على المتهم صاحب السلعة المغشوشة، وتكون تلك العقوبة رادعة لهم ولكل من تسول له نفسه أن يتاجر بصحة المواطنين، موضحاً أن وزارة التموين والتجارة الداخلية فى طريقها إلى تنقية القوانين والقرارات التموينية وتغليظ العقوبات الخاصة بهذه القوانين بما يتناسب مع روح العصر والحفاظ على صحة المواطنين وأشكال التلاعب والتى أصبحت جديدة ومتطورة.
وطالب وكيل الوزارة بسرعة تعديل مرسوم قانون 95 لسنة 1945، بأن تكون العقوبات الموجودة به أكثر تغليظاً، فهو أساس العملية التموينية، وكل التموين يلجأ لهذا القانون لأنه الأساس والخاص بشئون التموين، مبيناً أن المديرية تمكنت فى شهر مارس الماضى من ضبط 43 ألفاً و500 زجاجة مياه معدنية غير مطابقة للمواصفات القياسية، كانت معدة ومجهزة لطرحها فى الأسواق.
وأكد الدكتور حسن عبدالمجيد، رئيس الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة، أن المواصفات الخاصة بالمياه إلزامية من قبل الهيئة لأصحاب الشركات المنتجة للمياه من أجل تطبيقها وتوفير شروطها فى المنتج الذى تصنعه، حيث إن هذا المنتج له علاقة بسلامة وصحة المستهلك المصرى. موضحاً أن الهيئة جهة تشريعية يقتصر دورها فقط على إصدار المواصفات ومتابعة مدى تطبيقها، وليست جهة رقابية على تطبيق المواصفات الصادرة، مثل مصلحة الرقابة الصناعية، فهى جهة منوط بها التفتيش على المصانع المنتجة للمياه، ولها أيضاً القدرة على أخذ عينات من المنتج وإرسالها إلى المعامل لتحليلها من أجل معرفة مدى مطابقة المنتج للمواصفات القياسية الصادرة من عدمها. مبيناً أن الهيئة أصدرت نحو 10 آلاف مواصفة، 90% من تلك المواصفات لها مرجعية عالمية، ودائماً تسعى الهيئة إلى جعل المواصفات لها مرجعية عالمية من أجل أن يكون المنتج منافساً عالمياً.
وعن الشكاوى التى تتلقاها الهيئة، أوضح «عبدالمجيد» أن الهيئة تتلقى أسبوعياً نحو 50 شكوى بمعدل 200 شكوى على مدار الشهر من جهاز حماية المستهلك ويتم التحقيق فيها والعمل على حلها، قائلاً: «الهيئة هى الذراع الفنية لجهاز حماية المستهلك»، كما تتلقى أيضاً شكاوى من أصحاب الشركات حول الصعوبات فى تطبيق المواصفات على المنتج، ودائماً يتم حلها من خلال عقد اجتماع بين لجنة من الهيئة وأصحاب تلك الشكوى ويتم التدريب على تطبيق المواصفات وتنفيذها.
وعن سبب انتشار السلع المغشوشة فى الأسواق المصرية أكد «رئيس الهيئة» أن الرقابة الداخلية على السلع تحتاج إلى مزيد من القوة حتى تكون هناك سيطرة أكبر على السوق، وذلك من حيث الإمكانيات البشرية وتدريب العاملين بالجهات الرقابية، حتى تكون هناك قدرة على السيطرة وضبط السلع المغشوشة والمقلدة للسلع التابعة للشركات الكبرى.
وأشار إلى أنه يوجد تعاون من قبل قطاع التموين والتجارة الداخلية وحضور فى كافة اللجان التى تعقدها الهيئة، ويتم فى الوقت الحالى تفعيل دور المجلس القومى لضمان جودة الصناعة، حيث عقد الاجتماع الأول له نهاية الشهر الماضى برئاسة وزير الصناعة منير فخرى عبدالنور، وذلك من أجل رفعة ونشر مفاهيم الجودة فى محافظات مصر.
وأكد اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، أن الجهاز عقد مؤخراً اجتماعاً مع أصحاب شركات إنتاج المياه الطبيعية، للتأكد من عدم وجود أزمات ومشاكل مستقبلية تؤدى لارتفاع أسعار المياه، وجاء ذلك بعد أن رصد الجهاز وجود مشاكل فى منظومة التوزيع، تؤدى إلى أن صاحب الكشك أو التاجر يحقق ربحاً أعلى من المصنع. مشيراً إلى أنه عندما تروج شائعات عن مدى صلاحية المياه الحكومية يزيد إقبال وطلب المواطنين على المياه المعبأة ما يؤدى لارتفاع الأسعار، وهذا ما يجعل القائمين على غش المياه يستغلون الفرصة ويقومون بتعبئة مياه عادية أو مفلترة «ويبقى كتر خيره لو كانت مياه مفلترة داخل زجاجات فارغة تحمل علامات تجارية وهمية، وبيعها للمواطنين، ونحن كجهاز رصدنا منذ فترة عبوات مياه تحمل شوائب، لو كانت معبأة من مياه الترعة لكانت أنظف من كده».
وعن الوسائل التى تمكّن المواطن من معرفة المنتجات الأصلية من المقلدة، أكد «رئيس جهاز حماية المستهلك» أنهم طلبوا خلال الاجتماع من أصحاب الشركات وضع علامات ووسائل أمان مميزة على منتجاتهم تمكن المواطن من التفرقة بين المنتجات المقلدة والأصلية، وأيضاً الإعلان عن أشكال منتجاتهم والعلامات المميزة لها من خلال وسائل الإعلام والصحف، لافتاً إلى أن الجهاز حالياً يقوم بتدشين موقع على الإنترنت لوضع أسماء الشركات المصرح لها بتعبئة المياه، وأيضاً العلامات التجارية المميزة لمنتجات تلك الشركات، وذلك فى إطار التعاون بين أصحاب الشركات المصرح لها بتعبئة المياه وجهاز حماية المستهلك فى كشف المنتجات المغشوشة، قائلاً: «وبلاش ده وروح اشرب من الحنفية بعد تسخينها ما احنا طول عمرنا عايشين على المياه العادية».
وطالب أصحاب المصانع فى حالة استبدال ماكينات الإنتاج القديمة بآلات حديثة، بعدم بيع الماكينات القديمة لأشخاص مجهولين وبيعها لجهات معروفة، خوفاً من استغلالها فى الغش التجارى لمنتجاتهم، ومطالباً أيضاً المواطنين بمتابعة صفحة جهاز حماية المستهلك على صفحات التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» والتى تنشر بشكل شهرى أسماء الشركات المعتمدة لتعبئة المياه، وفى حالة وجود منتج اسمه غير موجود على موقع الجهاز يجب عدم استخدامه والإبلاغ فوراً عن تلك المخالفة، فتوجد عبوات وماكينات قادرة على غش جميع المستهلكين وليس مستهلكاً بعينه. ونصح قائلاً: «علينا جميعاً التكاتف من أجل محاربة الغش التجارى، فالمستهلك أو المواطن لا بد أن يعرف أنه هو الرقيب الأساسى على السلع الموجودة فى السوق وأنه جهاز حماية نفسه، وليس فقط العامل بجهاز حماية المستهلك». مشيراً إلى أن جهاز حماية المستهلك لم يتلقَّ أى شكاوى خاصة بعدم سلامة مياه الحكومة وهى التى تصل إلى المنازل من خلال الحنفيات، لافتاً إلى أن أكثر وسيلة أمان لشرب المياه، هى أن يتم تسخين مياه الصنابير وتبريدها قبل وضعها فى الثلاجة، ولا يوجد فرق بين مياه الصنابير والمياه الطبيعية المعبأة والتى قد تتعرض إلى التلوث بشكل أو وبآخر عن المياه العادية.
وعن كيفية مواجهة جهاز حماية المستهلك ظاهرة تعبئة المياه المغشوشة، أوضح «يعقوب» أن الجهاز به إدارة للتحريات ومن خلالها يتم الوصول إلى المعلومة، وباستهداف المكان يتم أخذ عينة من المنتجات الموجودة به، وإذا ثبت صحة المخالفة يتم ضبطها وتحرير محضر بالواقعة، كما توجد اللجنة العليا للرقابة على الأسواق والتى تعقد اجتماعاً بشكل شهرى يضم رؤساء هيئات الرقابة على الصادرات والواردات والجمارك ومباحث التموين والتجارة الداخلية والمواصفات والجودة والرقابة والتوزيع والرقابة الصناعية وغيرهم لمناقشة المشاكل التى تواجه المواطن والتى يتم التعرف عليها من خلال الشكاوى التى يتلقاها الجهاز، لافتاً إلى أنه من المؤسف وجود تأخر فى إنشاء شبكة الإنذار المبكر، ومنذ توليه رئاسة الجهاز يسعى جاهداً لإنشائها، وتلك الشبكة تكون على الإنترنت وتهدف إلى أن جميع مفتشى الأغذية فى المحافظات يستطيعون معرفة المنتج المقلد الذى تم ضبطه فور وضعه على صفحات تلك الشبكة وبدورهم يستطيعون ضبطه وإعلام غيرهم به، ما يؤدى فى النهاية إلى تداول المعلومة حول هذا المنتج المقلد وبالتالى يتم تجنبه وعدم استخدامه من قبل المواطنين.
وأضاف المهندس محمد شكرى، رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، أن مصر تنتج سنوياً من المياه المعبأة الطبيعية غير المعدنية ألف مليون لتر سنوياً، وعدد الشركات المسجلة بالغرفة 9 شركات لإنتاج المياه، ولم تتلقَّ الغرفة أى شكاوى من الغش التجارى فى المياه خلال الشهرين الماضيين، ودور الغرفة تنظيمى والمواءمة بين مصالح الصنّاع والمجتمع، وليس دوراً رقابياً.