حقيقة «شروط» صندوق النقد الدولي
هل رفع أسعار المواد البترولية هو أحد شروط صندوق النقد الدولى، لذلك نفّذته مصر؟
هل تخضع مصر أصلاً لشروط الصندوق بشكل عام؟
هذه أسئلة من وحي المتدَاول على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتحدث البعض بحُسن نية وحرص على المصلحة الوطنية، أو بسوء نية وتحريض ضد الدولة، عن تعاون مصر مع صندوق النقد الدولى، واصفين العلاقة بأنها تابع ومتبوع، صندوق يُملى الشروط ودولة تُنفذ مذعنة من أجل الحصول على شرائح القرض المتتالية. الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب تفكيك عناصر العلاقة بين مصر والصندوق، وأول تلك العناصر سؤال حول قيمة القرض الإجمالية التى من أجلها تتخلى مصر عن سيادة قرارها -كما يدّعون- كم تبلغ قيمة القرض؟
إجمالى قيمة القرض تبلغ نحو 8 مليارات دولار، وهو مبلغ ليس بالقليل بالطبع، لكنه أيضاً ليس ثمناً مُجزياً لكي تتخلى مصر عن سيادتها، إن كان هذا وارداً أصلاً بأي ثمن أو تحت أي ظروف!
العنصر الثاني من عناصر تلك العلاقة، هو سؤال حول برنامج التعاون الذي يجري تنفيذه: هل هي شروط الصندوق حقاً، أم أنه برنامج وطني توافق الطرفان على اعتباره أساساً مناسباً للتعاون؟
الحقيقة أن الصندوق لا يملك أى سلطة إجبار ضد أي دولة، وتحديداً مصر، وكما قلنا، مبلغ القرض نفسه لا يمكن أن يمثّل أى ضغط تتخلى مقابله عن السيادة الوطنية، فهو أقل من 10% من احتياجات مصر السنوية من الموارد الدولارية. إذن، فهو برنامج وطنى يطبّق مفاهيم اقتصادية سليمة لعلاج التشوّهات المزمنة فى الموازنة المصرية، ويأخذ فى الاعتبار نصائح الصندوق، بما يتوافق مع الظروف الاجتماعية والسياسية. ترشيد الدعم ليس شرط الصندوق، وإنما هو الحل الوحيد لعلاج العجز المزمن فى الموازنة العامة، كما أن مرونة سعر الصرف ليست من شروط الصندوق، وإنما هى عنصر حاسم فى جذب الاستثمارات الأجنبية واستقرار الاستثمارات المحلية.
كلمة «شروط» تُطلق على محدّدات يفرضها طرف أقوى على طرف أضعف، وهذه المحدّدات تحقق مصالح وشواغل الطرف الأقوى على حساب مصالح الطرف الأضعف، وهو ما لا ينطبق تماماً على علاقة مصر بصندوق النقد الدولى، فلا هو أقوى ولا نحن أضعف، كما أن عناصر البرنامج تحقق مصالح اقتصادية مصرية مباشرة، وبالتالى كل هذه السردية لا أساس لها من الصحة.
نقطة الخلاف الوحيدة التى تطرأ على تلك العلاقة، أن الصندوق أحياناً يضغط -فى إطار علاقة التعاون- لزيادة سرعة أو كثافة الإجراءات الاقتصادية، وهو أمر أحياناً يصطدم بظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية لا تجعل تطبيق هذا الأمر ممكناً، وهو ما يؤكد أيضاً أن الدولة لها اليد العليا فى قرارها.