نجيب محفوظ والسياسة
- معرض الكتاب
- رئيس معرض الكتاب
- زيارة وفد اسرائيلي لمعرض الكتاب
- القوات المسلحة
- المتحدث العسكري
- السيسي
- هضبة الجلالة
- معرض الكتاب
- رئيس معرض الكتاب
- زيارة وفد اسرائيلي لمعرض الكتاب
- القوات المسلحة
- المتحدث العسكري
- السيسي
- هضبة الجلالة
لم ينتمِ نجيب محفوظ طوال حياته إلى أى تنظيم سياسى، وكان حياده أقرب إلى الحيلة الفنية منه إلى الموقف السياسى، وإن ظل مخلصاً لمقولته اللافتة: «لا يوجد حدث فنى، إنما حدث سياسى يعالج بطريقة فنية»، لتبقى رؤيته السياسية لا يعول عليها، رغم عظمته الأدبية، كما يقول جلال أمين.
حدد «محفوظ» رؤيته السياسية على لسان أبطاله فى العديد من رواياته، وفى مقدمتها «الكرنك»، «ثرثرة فوق النيل»، «ميرامار»، «اللص والكلاب»، «يوم قتل الزعيم»، «السمان والخريف». أى إنه جعل رواياته ساحة لطرح أفكاره السياسية، ووصل فى اعتماد هذا النهج إلى درجة مرتفعة، بحيث يمكن القول إن رواياته قد تخلو من أشياء كثيرة، لكنها لا تخلو قط من السياسة.
وتتلخص هذه الرؤية، كما طرحها «محفوظ» على لسان خالد صفوان، أحد أبطال رواية «الكرنك»، فى: «أولاً: الكفر بالاستبداد والديكتاتورية، ثانياً: الكفر بالعنف الدموى، ثالثاً: يجب أن يطرد التقدم معتمداً على قيم الحرية والرأى واحترام الإنسان، وهى كفيلة بتحقيقه، رابعاً: العلم والمنهج العلمى هو ما يجب أن نتقبله من الحضارة الغربية دون مناقشة، أما ما عداه فلا نسلم به إلا من خلال مناقشة الواقع، متحررين من أى قيد، قديم أو حديث».
وكان لقضية الانتماء مكانة عالية فى أدب «محفوظ»، وبدأت ملامحها تتشكل فى أدبه من خلال انفعاله وهو طفل بثورة 1919 ضد الاستعمار الإنجليزى، ثم موقفه من حزب الوفد الذى كان يقود النضال الوطنى آنذاك، فى بعض أعماله الروائية مثل «المرايا» و«حكايات حارتنا»، وكذلك إحدى قصص مجموعته «صباح الورد».
لكن «محفوظ» عاد ليحدد موقفه، بشكل أكثر صراحة، من مختلف حكام مصر، منذ الملك مينا وحتى الرئيس السادات، فى كتاب «أمام العرش»، وفيه شرح مآثر وعيوب كل زعيم، من خلال محكمة رمزية تخيلها «محفوظ»، ضمت كلاً من إيزيس وأوزوريس وحورس، وركز الكتاب على زماننا المعاصر، عاقداً مقارنة بين كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر وأنور السادات.
واتخذ «محفوظ» خطوة أكثر إيضاحاً فى تحديد موقفه من القضايا السياسية والاجتماعية التى فرضت نفسها على المجتمع المصرى والعربى، من خلال الزاوية الصغيرة التى كان يكتبها فى صحيفة الأهرام، والتى تم جمعها فى عدة كتب. وقد تطرق «محفوظ» فى هذه الزاوية الصحفية إلى قضايا ومفاهيم عامة مثل التدين والتطرف والحرية والعدالة والتقدم والانتماء والهوية والعلم والعمل.. إلخ.
وحول الانتماء والهوية، يقول «محفوظ»: «مصر 1919 آمنت بمصريتها، ومصر 1952 آمنت بالعروبة. الآن الإسلام السياسى يطرح العالم الإسلامى كله كدائرة للانتماء، واجبنا أن نخلق من هذه الانتماءات الثلاثة انتماء أكبر يحافظ على مكوناتها الأصلية، ويربطها برابطة تكاملية، تزيدها قوة وصلابة، بدلاً من أن تهدر قواها فى صراعات عمياء». وفى موضع آخر يقول: «إن الدفاع عن الهوية لا لسبب إلا أنها هويتنا باطل، كما أن التنكر للهوية لا لسبب إلا الانبهار بهوية حضارة أخرى باطل أيضاً.. علينا أن نواجه عصر القرية الكبيرة الواحدة بكل شجاعة وثقة بالنفس».
أما عن الحرية والعدالة فيرى «محفوظ» أنهما قيمتان عظيمتان لا غنى للبشرية عنهما، ويؤكد أن «الحرية وحقوق الإنسان لن تكون ضربة موجهة للعدالة، ولن تصادر الحرية والكرامة باسم العدالة وباللجوء للقهر والاستبداد والإرهاب الرسمى»، وينحاز «محفوظ» إلى الرأى الذى يؤكد أن الحرية ليست هبة ولا منحة، لكنه فى المقابل يشير إلى أنها لا تتحقق بالشتائم واتهام الأبرياء وتوهم المكانة، إنما هى «ثمرة جهاد الأحرار، ولا تجىء نتيجة لوجود المجتمع الحر، لكنها تخلقه من خلال جهاد مر، لم يكف، قديماً ولا حديثاً، عن تقديم الشهداء والضحايا».
كل ما سبق لا يعنى أن «محفوظ» قد خرج عن الخط العام الذى حدده لحياته وهو الابتعاد عن السلطة، لا يطلب منها شيئاً ولا يفعل ما يجعلها تطلبه أو تلاحقه، فهو إن كان قد طرق باب السياسة فى رواياته، فإنه ركز على العموميات، ونأى بنفسه عن السياسة اليومية أو الصراع السياسى الوقتى بين هذا الحزب أو ذاك، ولذا لم يخض تجربة السجن، التى عاشها كثير من الأدباء المصريين، خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين، وإن كان قد وقف على بابها مرتين؛ الأولى حين كاد يُعتقل بأمر من عبدالحكيم عامر بعد «ثرثرة فوق النيل» لكن «عبدالناصر» رفض، والثانية حين وقّع على بيان المائة الذى يطالب «السادات» بإنهاء حالة اللا حرب واللا سلم.
وعلاوة على موقفه المبدئى من السلام مع إسرائيل، يبقى أوضح رأى سياسى عبر عنه «محفوظ» هو ذلك الذى أثار عليه خلال عام 1998 زوبعة من النقد الحاد، ظل طوال حياته حريصاً على تجنبها، فقد هاجم بضراوة التجربة الناصرية، واعتبر أن كثيراً من قرارات «عبدالناصر» المصيرية، والتى جلبت له شعبية جارفة، كانت متسرعة، وقادت مصر إلى انتكاسات وعرضتها للأخطار، ومنها مثلاً تأميم قناة السويس، وحرب الاستنزاف. لكن حتى هذا الرأى الصريح لم يبعد «محفوظ» كثيراً عن نهجه السابق فى عدم الدخول فى مواجهة مباشرة مع السلطة، إذ إنه وجه انتقاداته لنظام وقائد رحل عن دنيانا، ولم يعد بمقدوره أن يلاحقه أو يحاسبه على ما قال.