قضايا المرأة فى المحاكم.. "طولة العمر تقتل الأمل"

قضايا المرأة فى المحاكم.. "طولة العمر تقتل الأمل"
لا تزال السيدات يعانين عندما يقفن أمام القاضى وتصبح سيرة المحاكم محور حديثهن اليومى لسنوات إذا ما ضاقت عليهن الحياة الزوجية، فبين قضايا نفقة وخلع وطلاق ضرر، نساء عاشت فى محاكم الأسرة لسنوات تطول ولا تقصر إلا نادراً، وذلك على الرغم من أن «التقاضى حق مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا»، وهو ما ورد نصاً فى المادة (97) بالدستور المصرى.
«قضية نفقة»، أكثر القضايا التى ترفعها السيدات فى المحاكم لمطالبة أزواجهن السابقين بتخصيص مصروف شهرى كاف لها ولأبنائهما، وهو ما طلبته «آمال إبراهيم» عندما قاضت طليقها منذ وقوع الطلاق فى أكتوبر 2013، ولم يصدر لها حكم إلا منذ شهرين، دون أن يُنفذ، لتجد نفسها تدخل فى دوامة أخرى، وهى إجراءات تنفيذ حكم المحكمة، دون مراعاة لعدم وجود مصدر دخل تعتمد عليه فى تربية ولديها، أصغرهما فى الخامسة من عمره.
قالت «آمال» إن المحامين لا يجدون نفعاً فى أغلب الأحيان، والقضية تأخذ تأجيلاً وراء تأجيل، رغم أن كل الأوراق مكتملة لدى هيئة المحكمة، لكن المشكلة تكمن فى «روتينية» الإجراءات، حيث يصدر قرار بإعلان الزوج لحضور الجلسة وإما يأخذ الإعلان مدة تصل إلى شهور حتى يصل له بسبب البطء، أو لا يأتى هو رغم وصول الإعلان، وفى النهاية التأجيل هو الحل، حتى اضطرت آمال إلى السعى وراء الأوراق وتسلمتها من المحكمة لتذهب بنفسها لتسليمه إياها، متحملة تكاليف السفر من القاهرة، حيث انتقلت للعيش مع والدتها إلى طنطا حيث يقطن زوجها ومكان عش الزوجية السابق، فبدلاً من دورة تسليمه الإعلان التى قد تستغرق شهرين كان سعيها يُنهيها فى أربعة أيام. حاولت الأم الحاصلة على مؤهل متوسط أن تتغلب على التأخر بالبحث عن وظيفة فى القطاع الخاص بعد فصلها من عملها الحكومى بسبب الغياب، ورغم محاولتها إيضاح سبب انقطاعها والظروف العائلية التى مرت بها حتى الطلاق لم تجد محاولاتها نفعاً، واستقرت بالعمل فى حضانة تعمل بها لمدة 10 ساعات مقابل 700 جنيه فقط، لا تقضى حاجاتها وحاجات ابنيها الاثنين. وبعد حكم المحكمة بأحقيتها فى نفقة تقدر بـ650 جنيهاً فقط، أخذت الحكم وذهبت لتسليمه لطليقها فى محل عمله، وأخبرتها الإدارة التابع لها زوجها السابق بالقدوم بعد أسبوعين، وبعدها أخبروها بأنهم لم يصلهم شىء حتى الآن، إلى أن أخبرها المحامى بأن النفقة مقسمة 350 جنيهاً لها و300 لأبنائها، وأنه بعد الطلاق سقطت نفقتها ولن تحصل إلا على الـ300 جنيه فقط لأبنائها، التى لا تغطى مصاريفها على المحامى، الذى يأخذ 100 جنيه منها لإنهاء أى مشوار خاص بالقضية، غير مصاريف القضية التى قد تصل لـ2000 جنيه.[FirstQuote]
فى حالات نادرة تقصر مدة إصدار الحكم، وهو ما وجدته «ليلى عبدالوهاب» التى رفعت قضية «طلاق ضرر» فى سبتمبر 2014 وصدر لها الحكم فى فبراير 2015، وأرجعت سبب ذلك لعدم اعتمادها على المحامين، وسعت وراء الأوراق بنفسها، واستطاعت إنهاءها لأنها تضررت من زوجها الذى يتعاطى المخدرات ويأتى بأصحابه إلى منزل الزوجية بشكل مثير للتعجب وكان إثبات ذلك سهلاً، على عكس زميلتها التى ظلت فى قضية الـ«خُلع» التى رفعتها ضد زوجها لمدة سنة ونصف بسبب التأجيل وعدم حضور الزوج. عكس «هدير» السيدة التى لم تُكمل عامها العشرين، واستطاع ابن الجيران الذى كان يكبرها بـ18 عاماً أن يقنعها بالزواج العرفى وهى فى السابعة عشرة من عمرها، لتترك بيت أهلها لمدة 3 شهور وقتما اندلعت ثورة 25 يناير، وظل أبواها يبحثان عنها حتى وجداها ومات والدها حزناً، وظلت الأم وراءه حتى عقد قرانه عليها، وفضلت ذلك على حبسه لمصلحة ابنتها وخوفاً من الفضيحة. ومنذ زواجها به حتى لجوءها لرفع قضية «خُلع» لم تجد منه غير الإهانة اللفظية والتعدى عليها بالضرب، وتعاطيه للمخدرات، وترك بيت الزوجية شهوراً دون السؤال عنها ولا عن ابنته الرضيعة، ويذهب إلى زوجته الأولى وأولاده، ليعود لها بعد كل واقعة طالباً السماح وتعود له لمصلحة طفلتهما، مبرراً موقفه بأنه لا يعلم لماذا يفعل معها ذلك، وبعد العودة وجدته قد باع أثاث المنزل دون الرجوع إليها ولا تعلم شيئاً عن مصير أموال البيع، حتى نصبت له الأم «قعدة رجالة» فى وجود أخوالها وأعمامها للوصول معه إلى تفاوض على الطلاق، إلا أنه رفض بشدة أن يتركها وشأنها، فلجأت العائلة إلى الخُلع، بعد نصيحة المحامين حتى لا يغرقوا فى سنوات قضايا الطلاق، وفضلّت ألا تحصل على أى مستحقات لها فى سبيل إنهاء تلك العلاقة، لكنها وجدت أن لقضايا الخُلع أيضاً بالاً طويلاً، فمضت 7 أشهر على رفع القضية وتأجيل يتبعه تأجيل دون معرفة نهاية للقضية، وظلت تردد هى وعائلتها جملة واحدة: «عوضنا على الله».
من جانبها، قالت الدكتورة ملك زرار، مستشارة الأحوال الشخصية، إن من أصعب ما تواجهه المرأة فى مجتمعنا المعاصر هو طلب الطلاق حتى وإن كان الضرر متحققاً، لكنها لا تستطيع إثبات ما يتطلبه القضاء فى هذا الأمر، فتضطر إلى «الخُلع»، الذى يسلبها كل حقوقها بل وتدفع ما قُدم لها من مهر، وهناك قضاة يطالبونها برد الشبكة، لأن هذه الأحكام تخصه فيما يعرف بـ«السلطة التقديرية»، مؤكدة أن المحاكم تستغرق فى طلاق الضرر أقل ما يمكن 3 أو 4 سنوات وقد لا تصل فى النهاية للطلاق، نتيجة صعوبة إثبات ما وقع عليها من ضرر، ثم الإجراءات الروتينية فى إيصال الإعلان ثم تدخل القضية فى طور التأجيلات والتحقيق وإعادة التحقيق.
