الشرق الأوسط وقضية الأسلحة النووية (1 - 2)
بعيداً عن لقاء الرئيس السيسى بقيادات الأحزاب السياسية مؤخراً، ودعوته لهم إلى تفعيل القائمة الوطنية الموحدة، خروجاً من المأزق السياسى، واستكمالاً للاستحقاق الثالث (الانتخابات البرلمانية)، وبعيداً عن سياسات الاختلاف والتقسيم والتفتيت وشىء من النفاق والتطبيل، التى يمارسها بعض منا، بعلم وتدبير، أو من دون ذلك، جهلاً واستخفافاً، بالمصلحة العليا للوطن، وإعلاءً للمصالح والأجندات الفرعية، وبعيداً عن المجلس القومى لحقوق الإنسان، ومؤتمره الصحفى الذى عقده يوم الأحد 31/5/2015، لتقديم التقرير السنوى العاشر بما له وما عليه.
بعيداً عن كل ذلك، وكل منها يحتاج إلى تفصيل دقيق ومقالات، هناك قضية استراتيجية مؤثرة فى المستقبل تأثيراً خطيراً، وقد لا تجذب اهتمام المواطن العادى، إلا إجمالاً، ولكنها بالتأكيد قضية محورية ذات جوانب وطنية وإقليمية ودولية، فى ذات الوقت، ولها دخل بالحياة أو الموت، ودفع البلاء والأخطار قبل وقوعها، وبذلك تكون نتائجها خطيرة، وقد تقع فى أى وقت -ليلاً أو نهاراً- دون سابق إنذار.
القضية التى أعنيها هى قضية الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، أو بالأحرى فى إسرائيل، وهى قضية ذات ارتباط وثيق بالأمن القومى العربى، عموماً، ودول الجوار خصوصاً وفى مقدمتها مصر، ولذلك تسعى مصر دائماً، وهى تتطلع إلى نجاح جهودها الجادة على المستوى العالمى، لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
شهد معظم شهر مايو المنصرم نقاشاً مستفيضاً فى مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى، وخصوصاً بشأن قرار الأمم المتحدة لسنة 1995 الخاص بإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، وفى ضوء معاهدة حظر الأسلحة النووية (1970)، والوثيقة التى قدمتها مصر والعرب للمؤتمر الأخير فى نيويورك.
وافقت الغالبية الساحقة من الدول، وعددها 190 دولة، على المبادرة العربية لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى مشروع البيان الختامى، واعترضت على جزء منه فقط ثلاث دول، هى: أمريكا وكندا وبريطانيا، طبعاً دعماً لإسرائيل، واستمرار وجود ترساناتها النووية. البيان الختامى حدَّد الأول من مارس 2016 موعداً نهائياً لتنظيم مؤتمر حول إنشاء تلك المنطقة. المبررات التى ساقتها تلك الدول الثلاث المعترضة التى أفشلت جهود المؤتمر، تبريرات واهية أوهى من بيت العنكبوت، وغير مقنعة، ولكن سياسة التسلط والهيمنة والاستراتيجيات الأمريكية، انتزعت ظلماً «فيتو الاعتراض»، أينما شاءت وحيثما شاءت. هذه هى ديمقراطيتها، وهى نفس عقلية «جوانتانامو»، و«أبوغريب»، ورعاية حقوق الإنسان، والضغط على الآخرين بها.
معاهدة حظر الانتشار النووى التى وقعها 190 بلداً دخلت حيز التنفيذ فى 1970، وتعقد كل خمس سنوات مؤتمر متابعة، وفى مؤتمرى عامى 1995 و2000 خصوصاً، فشلت أطراف المعاهدة فى الاتفاق على بيان ختامى.
وفى 2010، نص الإعلان الختامى لمؤتمر المتابعة على عقد اجتماع فى هلسنكى فى 2012، للبحث فى منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط، إلا أن هذا الاجتماع لم يعقد بسبب تحفظات إسرائيل. وهنا نرى أن تحفظات إسرائيل التى لم توقع على المعاهدة تكون فاعلة، مثل الابن الفاسد المدلل.
ولم يعترف صراحة الكيان الصهيونى رسمياً بكونه دولة نووية، وإن كان يلوح باستخدام ذلك السلاح المدمر من حين لآخر، إذا تعرض لتهديد كبير. ويؤكد الخبراء أن إسرائيل تمتلك نحو مائتى رأس نووى، ومن منا لا يدرك خطر تلك الأسلحة، فعليه أن يسأل اليابان، ويقرأ عن هيروشيما وناجازاكى.
طهران التى يكرهها بعض السلفيين أكثر من الصهاينة هى القوة النووية الثانية فى المنطقة.. والعرب صفر اليدين.
وقد جاء فى كلمة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، أن مصر تطالب بعقد مؤتمر يهدف إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وسائر أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، فضلاً عن معالجة شاملة لمسألة نزع السلاح النووى فى إطار دولى متعدد الأطراف، والتفاوض حول برنامج مرحلى للقضاء التام على الأسلحة النووية، فى إطار زمنى محدد ينتهى عام 2025، وهو الأمر الذى ينبغى أن يبدأ دون تأخير.
وقد قال الوزير فى ختام كلمته: «انطلاقاً من دور مصر واهتمامها بقضايا نزع السلاح ومنع الانتشار، ستبذل قصارى جهدها للتوصل إلى اتفاق شامل وعادل خلال هذا المؤتمر، بما يؤسس لمرحلة جديدة من الجهد الدولى الجماعى، نحو عالم خالٍ من الأسلحة النووية، يحقق الأمن والأمان للجميع، فالمجتمع الدولى سيكون أكثر أمناً عندما تستشعر الدول أن حقوقها تُحترم وتصان».
أما السفير الهمام هشام بدر، مساعد وزير الخارجية، فقد ذكر فى بيان جمهورية مصر العربية، الذى ألقاه أمام الجهاز الفرعى للجنة الرئيسية الثانية، لمؤتمر مراجعة عدم الانتشار النووى 2015 أن «عقد المؤتمر يظل خطوة عملية محددة، وليس غاية فى حد ذاته، فالهدف من المؤتمر هو إطلاق عملية تفاوضية بين دول منطقة الشرق الأوسط، مستمرة دورياً، وعلى الأقل بشكل سنوى، حتى يتم الانتهاء من إعداد اتفاقية إقليمية ملزمة قانوناً، يتم بمقتضاها إنشاء المنطقة الخالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط، وبالتالى من الضرورى النص على ذلك صراحة».
كما أوضح السفير هشام فى بيانه ذاك، كل التناقضات التى جاءت فى أوراق المؤتمر فى محاولة لتأجيل المؤتمر، وعملاً على تحقيق التوازن الموضوعى المطلوب، سعياً لتحقيق مصداقية معاهدة عدم الانتشار النوى (1970)، وتنفيذ قرار إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية (عام 1995)، وللحديث صلة، والله الموفق.