طريق الساحل ويمين فرنسا وآثار مصر

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

أشهرٌ طويلة مرت دون أن أسمع خبراً حلواً. وقبل ساعات، جاء الخبر الذى طالما حلمت به. النائب العام المستشار محمد شوقى أصدر توجيهات بمجابهة «جرائم» تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة، وذلك فى ضوء ما رصدته النيابة العامة فى الآونة الأخيرة من قيادة البعض بسرعات جنونية على الطرق الساحلية.

البعض ربما يلوح بأن الطبيعى أن يعاقَب كل من يتخطى السرعات المقررة، أو أن القانون به نصوص واضحة تجرّم القيادة الخطرة والسير بالعكس وغيرهما. ما يهم الآن أن الطرق الساحلية التى تتحول إلى ساحة تشبه «السيارات المتصادمة» فى السيرك طيلة أشهر الصيف ربما تكون قد وجدت أخيراً مَن يتصدى لها.

بالطبع الإنسان طماع بطبيعته. ومن جهتى، أطمع فى أن يتم تعميم هذه التوجيهات لتشمل أرجاء مصر كلها، ولكن أعود إلى قرار النائب العام، وأقول له: شكراً. هذا القرار خطوة عملية لحقن الدماء، وإعادة هيبة القانون فى الشارع.

لكنَّ خبراً آخر صدمنى، إذ تم تقديم طلب من قبل أحد ممثلى الشعب فى مجلس النواب يطالب بإقامة صلاة الجمعة فى الزوايا وإلغاء الخطبة الموحدة وترك العنان لكل خطيب يتحدث فيما يراه مناسباً وتطوير الخطاب الدينى فى خطبة الجمعة. الجزء الأخير من طلب الإحاطة عظيم، ولو أنه لا جديد فيه. أما الشقان الأول والثانى فملغَّمان بالكامل. عودة الزوايا؟ بعد كل ما جرى للمجتمع المصرى جرّاء الزوايا، وما يقال فيها، واعتبار أى بهو أو مدخل عمارة، بل وحرم محطة مترو وأوتوبيس نقل عام زاوية، وبعد ما سيطرت وزارة الأوقاف على هذه القنبلة الموقوتة، نطالب بإعادة زرع اللغم؟!

السبب المذكور فى الطلب هو التيسير على كبار السن ممن لا يستطيعون الذهاب إلى المساجد الكبيرة! والحقيقة هى أن عدد المساجد الكبيرة والصغيرة والمتوسطة كبير جداً، والحمد لله. ويكاد يكون هناك مسجد بين كل مسجدين. وحتى عدم وجود مسجد لا يبرر إعادة زرع الألغام.

وعلى ذكر الألغام، أتمنى من كل قلبى أن يستمر وزير الأوقاف الجديد الدكتور أسامة الأزهرى فى نزع الألغام، وهى كثيرة، وهو أهلٌ لنزعها وإبطال مفعولها ومنع معاودة زرعها.

وعلى سيرة الزراعة، نحتاج على وجه السرعة إلى زراعة شجرة ثقة بيننا وبين الحكومة الجديدة، هذه الشجرة نتمنى ألا تكون مستنسخة من أشجار سابقة، أو حتى من نفس الفصيلة، فقد ثبت بالحجة والبرهان أن الشجرة السابقة كانت معتلّة. الثقة المرجوة لن تتحقق إلا بقدر أوفر من الصراحة والمباشرة والاستجابة والثقة فى أن المواطن على درجة جيدة من الوعى. هذه الدرجة تتيح لنا فهم العوامل الدولية والإقليمية التى تؤثر علينا. كما أنها تمكّننا من فهم المتغيرات، وتقدير أبعاد الأزمة الاقتصادية التى ألقت ظلالاً ثقيلة على الجميع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوعى وحده لن يكفى، بل مطلوب قدرة ومهارة على إدارة الأزمات.

العلاقة بين المواطن والحكومة «رايح جاى». وعى المواطن وحده دون مجهود أو قدرة من الحكومة على القيام بعملها لا يجدى. وحكومة بقدرات ومهارات، ومواطن بلا وعى يعنى أن يظل المواطن يشكو إلى ما لا نهاية.

نهاية أو ما آلت إليه نتائج الانتخابات الفرنسية لم ترد على بال أو خاطر. الشعور العام، أو ما تم تصديره من شعور عام، كان فوزاً ساحقاً ماحقاً لأقصى اليمين أو لليمين المتطرف. بدا الأمر وكأن اليمين يقف على باب مقره الجديد فى «قصر ماتينيون». وبدا الأمر وكأن الوسط واليسار بأطيافهما قد انضما إلى خبر كان. وكلاهما لم يحدث.

ما حدث هو بناء تحالف غير معتاد من أطياف سياسية بدافع الاضطرار. ما حدث هو منطقة ضبابية تقف فيها فرنسا. للوهلة الأولى يبدو أن الفرنسيين نزعوا فتيل قنبلة اليمين المتطرف، لكن النتائج كشفت أيضاً عن تفكك سياسى غير مسبوق: ثلاث كتل متناقضة الأيديولوجيات، وبرامج سياسية متنافسة تشكل ائتلافاً حاكماً، وهذا يعنى برلماناً شديد الانقسام، وهو ما سينعكس حتماً على الأوضاع الداخلية، وكذلك على سياسة فرنسا الخارجية ومواقفها من الحروب والصراعات العسكرية والاقتصادية وغيرها. إنها السياسة والديمقراطية فى «أقسى» صورها.

ومن أقسى صور السياسة والديمقراطية هناك إلى أقصى صور الصدمة والامتعاض هنا. أتحدث عن الفيديو المسرب من داخل أحد الأحزاب، والذى إن صح، وحتى لو كان عمره عاماً أو عشرة أعوام، يبقى صادماً. التنقيب الشخصى، وبيع وتهريب الآثار منظومة عمرها عقود. جريمة؟ نعم؟ لكنها تعكس خللاً فى الوعى وعواراً فى المعرفة وثقباً شنيعاً فى الوطنية. هى منظومة تحتاج إلى علاج باطنى، بعد الجراحة.