الأحزاب الدينية تحدٍّ للدستور

كمال زاخر

كمال زاخر

كاتب صحفي

وثيقة الدستور تعد قانون القوانين، وهى وثيقة حاكمة لحراك المجتمع وعلاقاته وتشابكاته، فهى تعبر عن إرادة المجتمع واختياره للقواعد المنظمة لحاضره ومستقبله، ويقاس تحضر المجتمع وانضباطه بمدى التزام أفراده ومؤسساته بالدستور، بدءاً من منظومة قوانينه ولوائحه، إلى شرعنة آلياته المجتمعية والاقتصادية والسياسية. والدستور لا يُقرأ بشكل انتقائى فهو متكامل يفسر بعضه بعضاً، يشتمل على مبادئ عامة، وعلى قواعد تنظم هذه المبادئ وتحدد إطارها، بحيث يستبين منها اتجاه نية المشرع ومقاصده، ولعل أبرز تطبيق لهذا الارتباط العلاقة بين المادة الثانية والمادة الرابعة والسبعين، فبينما تقول مادة (2) «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، تقول المادة (74) «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى». وتأتى ديباجة الدستور الكاشفة عن اتجاه المشرع لتقول نحن الآن نكتب دستوراً يجسد حلم الأجيال بمجتمع مزدهر متلاحم، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد للفرد والمجتمع، نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية. نحن إذن أمام صورة متكاملة الأركان تنتهى بنا إلى عدم دستورية قيام أحزاب دينية بحصر المعنى، ولا يكفى أن تأتى أوراق الحزب خالية من الإشارة إلى ما ينم عن كونه حزباً دينياً حتى يعتمد ضمن الأحزاب المجازة دستورياً، فالحزب النازى لم يتضمن أى إشارة للعنصرية أو كراهية غير الألمان بينما جاءت ممارساته على الأرض لتؤكد هذا التوجه، وقاد العالم إلى دمار كاد يودى به فى الحرب العالمية الثانية. ويتكرر السيناريو نفسه مع الفاشية فى إيطاليا، والتى أسست حزباً سمّته الحزب الوطنى الفاشى، قاده بينيتو موسولينى، ليصب فى مسار الحزب النازى. وكلاهما كان يتبنى الاستعلاء العرقى والاستبعاد لمن لا ينتمى لمربعهم الفكرى والعرقى، وما الأحزاب الدينية إلا تنويعة تثلث هذين التوجهين، لتشكل مثلثاً يقوم على الإقصاء والاستبعاد وينتهى إلى التطهير النوعى. وفى حالتنا أقر الدستور أن الإسلام دين الدولة وعاد ليؤطر هذا المعنى فى حدود مبادئ الشريعة الإسلامية فى النص نفسه، ويعود مجدداً ليمنع قيام أحزاب على أساس دينى، تأسيساً على أن الإسلام لا يعرف نسق الأحزاب، التى يراها فى الإطار الدينى حزبين «حزب الله وحزب الشيطان»، بغير أن ينسحب هذا على المشهد السياسى، بل لا يعرف الكيان السياسى الدينى، فالإسلام لم يؤسس دولة بنمط محدد بل تعامل مع كل الأمصار التى دخلها بما استقر فيها من أنظمة، وتقلبت النظم الحاكمة من الدولة الأموية وحتى الخلافة العثمانية، واحتشدت بصور شتى من الاستبداد من الحاكمين، والصراعات البينية داخل قصور الحكم، ولم يقل أحد إن هذا من الإسلام، ولم يزعم أحد أن هذا النظام أو ذاك نظام إسلامى. إن الأحزاب تُدرَك وتُعرَف من ممارساتها وليس من أوراقها الثبوتية، وعليه فالأحزاب القائمة بيننا تصرخ من خلال ممارساتها على الأرض بأنها دينية بامتياز، النور والأصالة والوطن والفضيلة والإصلاح والراية وهى أحزاب سلفية، وحزب مصر القوية، والعمل الجديد، والوسط، والتوحيد العربى، والبناء والتنمية ذراع الجماعة الإسلامية، والحزب الإسلامى الذراع السياسية لجماعة الجهاد، وكلها تستحق حكماً قضائياً بحلها، بعيداً عن التلاعب البيروقراطى وإجادة الالتفاف على الدستور.. فماذا نحن فاعلون؟ هل ننتظر حتى تقفز على السلطة ونعيد إنتاج ما قبل «30 يونيو»؟