وفاة الحجاج المصريين.. لماذا؟
* كان الحج هذا العام مختلفاً عن كل الأعوام السابقة، وخاصة فى ازدياد عدد الحجاج غير الرسميين (أى الذين أدوا الحج عن طريق تصريح الزيارات) ودخلوا عرفات مع الحجاج الرسميين بعد أن حاولت السلطات السعودية منعهم بكل الوسائل وحاولت ترحيل بعضهم دون جدوى، وأكثر الحجاج غير الرسميين كانوا من مصر.
* وقابل هذه الزيادة الكبيرة فى عدد حجاج الزيارات زيادة عدد الوفيات عن كل الأعوام السابقة، فقد قدَّرت بعض وكالات الأنباء وفيات الحجاج هذا العام بـ900 حاج معظمهم من الحجاج المصريين غير الرسميين الذين وصل عدد وفياتهم حسب الإحصائيات إلى 635 حاجاً مصرياً ونسب وفيات الحجاج هذا العالم كالتالى: أولاً مصر، تليها إندونيسيا، الهند، الأردن، تونس، كردستان، إيران، السنغال.
* وهذه الدول هى الأكثر فى الحجاج غير الرسميين الذين دخلوا المملكة السعودية عن طريق الزيارات.
* ومعظم الوفيات كانت لكبار السن، معظمهم جاوزوا الستين وكانوا يعانون من أمراض مزمنة لا تتحمل هذا الطقس الحار، حيث وصلت درجات الحرارة فى عرفات والمزدلفة ومنى 47 درجة على الأقل.
* كان منظر جثث الحجاج الملقاة على الأرض دون ساتر أو خيمة مؤثراً جداً، ومعها العشرات الذين أصيبوا بالغيبوبة من شدة الحر وتم إفاقتهم بالإمكانيات البسيطة بصعوبة، لم يستطع الحجاج الذين يمرون على الجثث الملقاة فعل شىء سوى نشر الصور فى مواقع التواصل الاجتماعى، كذلك قام أهالى الحجاج المفقودين بنشر صور ذويهم فى هذه المواقع للاستدلال عليهم، كل حالات الوفاة كانت من حرارة الطقس عدا حالة اصطدام واحدة أدت إلى الوفاة.
* لقد بذلت المملكة حكومة وشعباً جهوداً حثيثة للتخفيف عن الحجاج بتوزيع الشمسيات، والمياه المثلجة والآيس كريم ولكن دون جدوى، والبعض يسأل: لماذا كان هذا العدد الكبير من الوفيات بين الحجاج غير الرسميين خاصة وبطريقة غير مسبوقة، ويمكننا تلخيص ذلك فى الآتى:
* أولاً: وصل عدد الحجاج غير الرسميين هذا العام إلى رقم كبير قد يضاهى أو يزيد عدد الحجاج الرسميين وكلهم دخل عرفات، وهذا أدى إلى أن خدمات الحجيج لم تكن كافية لهذا العدد الذى لم يحسب أحد حسابه.
* ثانياً: المسافة بين مكة وعرفات تبلغ أكثر من 20 كم، وفى الحج الرسمى لديك وسيلة مواصلات جيدة ومكيفة وفيها كل شىء، أما الحاج غير الرسمى فهو يتعرض للنصب والابتزاز من وسائل مواصلات غير مجهزة يدفع فيها مبلغاً كبيراً وتتركه بعد 3 أو 4 كم من عرفات، ليجد الحاج غير الرسمى نفسه فى صحراء مكشوفة فى حالة كر وفر بعيداً عن الشرطة، ويقطع هذه المسافة تحت حر الشمس القاتل.
* ثالثاً: فى الحج الرسمى لديك مخيم مكيف الهواء فى عرفات وفيه الطعام والشراب وهناك أطباء طوارئ عندهم بياناتك الطبية المسجلة من بداية الرحلة، أما الحاج غير الرسمى فيظل يوم عرفات كله يجلس حيثما اتفق فى الشمس المحرقة لقرابة 10 ساعات على الأقل تُهلك الصحيح فما بالك بالمريض، وقد يبحث عن الماء الذى ينفد منه فلا يجده، وقد لا يجد الطعام الذى يحتاج للبحث عنه ساعات فى الشمس المحرقة.
* رابعاً: الحاج الرسمى يتم تصعيده من عرفات إلى المزدلفة ومنى بسهولة ويسر فى أوتوبيس مكيف ومعه كل ما يلزمه من طعام وشراب ودواء، أما الحاج غير الرسمى فيضطر للسير على قدميه بين عرفات والمزدلفة أى قرابة 11 كم بعد يوم مرهق صعب فى عرفات.
* خامساً: الحاج الرسمى لديه قطار المناسك أو أوتوبيسات حملته للانتقال من مزدلفة لمنى «مسافة 7 كم» فيتنقل بسهولة ويسر دون مزيد إرهاق، أما الحاج غير الرسمى فنادراً ما يجد وسيلة مواصلات جيدة لقطع المسافة وإذا وجدها يتعرض للنصب أو الابتزاز من سائقى الباصات الصغيرة، وعادة ما يقطع الحاج غير الرسمى هذه المسافات سيراً على الأقدام ولا يجد مكاناً للنوم أو الراحة بعيداً عن الشمس.
* سادساً: بعد وصول الحجاج لرمى الجمرة الكبرى يذهب الحاج الرسمى للاستراحة فى خيمة مكيفة فى منى وفيها طعامة وشرابه، أما الحاج غير الرسمى فيذهب لرمى الجمرة الكبرى بصعوبة، ولا يجد بعد رميها مكاناً للراحة فيضطر للبقاء بمنى فى شمس النهار وينام على الأرض والأرصفة.
* سابعاً: معظم الحجاج الذين ماتوا هذا العام كانوا فى عرفات ومزدلفة ومنى وهى أشق وأصعب أيام الحج، وخاصة لمن لا يملك وسائل مواصلات ولا خيمة تؤويه، والحاج غير الرسمى يحتاج كل يوم للوصول من مقر إقامته بمكة إلى منى أو يعيش ثلاثة أيام فى العراء.
* ثامناً: بعض شركات السياحة أوهمت حجاجها بأنهم سيحجون رسمياً وهم قلة، أما الأكثرية فصارحتهم بالمغامرة وهم قبلوا ذلك.
* تاسعاً: الحج المصرى الرسمى غالٍ جداً ومبالغ فى سعره ولا يناسب المواطن المصرى العادى، وفيه تكلفة إضافية غير مطلوبة مثل سفر الوعاظ والأطباء وغيرهم على نفقة الحجيج المصرى، وهؤلاء لا يقدمون للحاج المصرى أى خدمة جوهرية والجميع يعلم ذلك، وزيادة السعر هذه دفعت الأغلبية حباً فى الحج للمغامرة بأرواحهم ومشقتهم الزائدة.
* وفى الختام رغم ذلك كله فقد اصطفى الله هؤلاء الحجاج الذين ماتوا فى أشرف موطن ووقت وعبادة ليُبعثوا يوم القيامة مُلبين، رحم الله هؤلاء الحجاج وتقبل الله من الجميع حجهم وعمرتهم.