«بنت الشاطئ» هو لقب المفكرة والكاتبة الكبيرة الراحلة الدكتورة عائشة عبدالرحمن، التى رحلت عن دنيانا فى الأول من ديسمبر سنة 1998م. والدكتورة عائشة عبدالرحمن هى أستاذة جامعية وباحثة، وهى أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، ومن أوائل من اشتغلن بالصحافة فى مصر، وعلى وجه الخصوص فى جريدة الأهرام.
وعن سبب إطلاق لقب «بنت الشاطئ» عليها، فقد بدأت الدكتورة عائشة عبدالرحمن -رحمها الله- الكتابة الصحفية والنشر منذ كانت سنها ثمانية عشر عاماً فى مجلة النهضة النسائية، ثم بعدها بعامين فى جريدة الأهرام.
ونظراً لشدة الطابع المحافظ لأسرتها، التى تمتد جذورها إلى صعيد مصر، والذين كانوا يعدون ذكر اسم البنت أمام الناس عيباً فى زمانهم، وحرصاً منها على شعور والدها وإرضاء له، لقبت نفسها (بنت الشاطئ)، إشارة لطفولتها ونموها صغيرة على شاطئ النيل فى بلدتها دمياط، حيث ولدت «بنت الشاطئ» فى مدينة دمياط فى السادس من شهر نوفمبر عام 1913م.
وتذكرنى هذه الواقعة بواقعة طريفة أخرى رواها لنا ناظر المدرسة الثانوية التى كنت طالباً فيها، وكان اسمه عبدالباسط أبوخليل، حيث قال إنه فى بداية حياته وقبل التحاقه بالتدريس كان القبول آنذاك فى هذه الوظيفة المهمة يتطلب اجتياز مقابلة شخصية. وفى هذه المقابلة، وللوقوف على مدى قوته النفسية وما إذا كان يتعرض للإثارة بسرعة أم يتحلى بأقصى درجات ضبط النفس، سألته اللجنة عن اسم أمه، فكان رده هادئاً ودون انفعال: أم عبدالباسط.
وهكذا، لم يذكر اسم أمه، احتراماً للعادات والتقاليد السائدة آنذاك، والتى كانت تعتبر مجرد ذكر اسم الأم عيباً، ولكن فى نفس الوقت أجاب عن السؤال دونما غضب أو استثارة.
وحتى عهد قريب، كان من العيب أن تنادى امرأة متزوجة باسمها؛ فإذا كان لديها أولاد، كان يتم مناداتها باسم أكبر أولادها، مسبوقاً بلفظ «أم». وإذا لم يكن لديها أولاد، فكان يتم اختيار لقب لها، فيقال لها: أم أحمد أو أم محمد.
نعم لقد مضى هذا الزمن الذى كان ذكر اسم المرأة فيه عيباً. بل إن المرأة فى بعض المجتمعات، لا سيما فى الطبقات العليا والمتوسطة فى المجتمع، تفضل مناداتها باسمها، ولا تقبل أن ينادوها باسم أكبر أبنائها مسبوقاً بلفظ «أم».
أكثر من ذلك أن بعض السيدات لا يفضلن أن يناديهن أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن بلفظ «طنط» أو بلفظ «خالتى» أو «عمتى»، بحيث يفضلن مناداتهن بأسمائهن غير مسبوقة بأى صفة أو أى لفظ آخر. ومع ذلك، ما يزال البعض يصر على كتابة الحرف الأول فقط من اسم البنت المخطوبة فى الدعوات لحضور الأعراس.
والواقع أن الحق فى الاسم هو أحد الحقوق المقررة فى المواثيق الدولية. بيان ذلك أن المادة الرابعة والعشرين، البند الثانى من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، تنص على أن «يتوجب تسجيل كل طفل فور ولادته ويعطى اسماً يُعرف به».
وبدورها، تنص المادة السابعة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل على أن «1. يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته فى اسم والحق فى اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق فى معرفة والديه وتلقى رعايتهما. 2. تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطنى والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، لا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية فى حال عدم القيام بذلك».
وتضيف المادة الثامنة من الاتفاقية ذاتها أن «1. تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل فى الحفاظ على هويته بما فى ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذى يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعى. 2. إذا حرم أى طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته».
كذلك، تقرر الدساتير المعاصرة، ومن بينها الدستور المصرى، الحق فى الاسم. فوفقاً للمادة الثمانين الفقرة الأولى من الدستور المصرى لعام 2014م «يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجبارى مجانى، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية».
ولا يكفى فى اعتقادنا أن يكون لكل بنت اسم فى شهادة الميلاد أو فى الأوراق الثبوتية، وإنما يكون لها الحق فى أن يتم مناداتها بهذا الاسم، أسوة بالأولاد الذكور.
ولعل الوقائع المشار إليها فى صدر هذا المقال تلفت أنظارنا إلى أهمية ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز هذه الثقافة فى المجتمع. وإذا كان الاعتقاد السائد على نطاق واسع فى مجال حقوق الإنسان أن أى انتهاك لها يصدر من السلطات الحاكمة، فإن ثمة حالات يكون فيها انتهاك حقوق الإنسان من أفراد المجتمع أنفسهم، وتحت تأثير العديد من العادات والمعتقدات والتقاليد التى لا تجد لها سنداً من شرع أو قانون.
ولا نغالى إذا قلنا إن هذه الانتهاكات لا تحظى فى الأغلب الأعم من الأحوال باهتمام المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.