شارع "الڤيلل".. رعاية خيول الحناطير داخل شاليهات المشاهير
![شارع](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/353187_Large_20150523085128_15.jpg)
لافتات رخامية تحمل أسماء مشاهير «فريد شوقى، عادل إمام، محمود الخطيب وآخرون» ترتفع على واجهات مبان مهجورة، أعادت الشروخ والعوامل البيئية صياغة هيئتها، فتشكلت على هيئة دور قديمة تملأ القمامة مداخلها، وعن يمينها وشمالها، فاستغلها المحيطون بها ما بين حظائر لخيول عربات الحنطور، ومرقد للكلاب الصغيرة، تمتد بجوار بعضها البعض فى اتجاه اللافتات التى تبقت من مجموعة كازينوهات مهدمة، فى مواجهة عشرات المحلات التى لا يدل على وجودها سوى أسمائها.
يقول عبدالناصر محمد، صاحب عربة حنطور، «أنا شغال هنا بقالى أكتر من 60 سنة، حضرت الشاليهات دى وهى لسه بتتبنى، شفت فيها فنانين ولعيبة كورة وسياح أجانب وعرب، وفضلت على الوضع ده لحد خمس ست سنين فاتوا، ومن بعدها حصلها اللى حصل بقى»، تخلى محافظة القليوبية عن إدارة الشاليهات، على الرغم من ملكيتها لها، تسبب فى الحالة السيئة التى وصلت إليها الآن -طبقاً لحديث الرجل السبعينى- فكانت النتيجة هجر أصحاب المحلات والأكشاك لها وإنهاء تعاقدهم مع محافظة القليوبية، بسبب تعثرهم فى دفع الإيجارات للمحافظة، ومن ثم انقطعت الرحلات السياحية عنها قبل أن يعم الخراب منطقة القناطر الخيرية بأكملها، على حد تعبيره.
وأضاف «عبدالناصر»: الفيلات والقصور تحولت إلى حظائر خيول، حيث يقوم الشباب الصغار الذين يمتلكون عربات حنطور بغسل خيولهم على مراسى تلك الفيلات المطلة على النيل وتركها تختبئ بداخلها، بخلاف تحولها إلى أوكار لتعاطى المخدرات وإقامة بعض أبناء المنطقة للحفلات الجنسية بداخلها، بالإضافة لاستخدامها كمخبأ سرى لأصحاب السوابق والمحكوم عليهم فى قضايا جنائية، حيث يلجأون إليها للاختباء من أجهزة الأمن التى تطاردهم للقبض عليهم وتسليمهم للعدالة.[SecondImage]
روايات عديدة سردها محمود موسى، صاحب كافيتريا، عن أسباب تسمية الشاليهات بأسماء المشاهير، أقربها للحقيقة كما يقول إنه فى أواخر الستينات من القرن الماضى برز نجم العديد من الفنانين أمثال عادل إمام وفريد شوقى وآخرين، وكانوا دائمى المجىء إلى القناطر الخيرية والبقاء فيها عدة أيام داخل شاليهات المحافظة للتنزه، وكان السياح والزوار ينتظرون أمام الفيلات التى ينزلون بها لعدة ساعات لكى يروهم ويلتقطوا صوراً تذكارية معهم، وأحياناً كان بعض الزوار يأتون خصيصاً لذلك، الأمر الذى دفع المسئولين فى محافظة القليوبية وقتها لتسمية كل شاليه باسم الفنان أو لاعب الكرة الذى سكن فيه، تنشيطاً للسياحة من ناحية، وتكريماً لدور الفنانين والمشاهير فى تشجيع الزائرين للمجىء إلى هنا من ناحية أخرى.
يضيف الرجل الستينى: الرئيس جمال عبدالناصر ومن بعده الرئيس أنور السادات كانا دائمى المجىء إلى استراحة رئاسة الجمهورية الموجودة هنا فى القناطر الخيرية، وكانا يتجولان وسط الزوار ويستمعان إلينا وأحياناً يجلسان معنا للاستماع إلى شكوانا، وذات مرة جلس معى الرئيس «السادات» على كومة تراب وتناول معى كوب شاى، وتحدثت معه عن زحام الزائرين وتهافتهم على القناطر، فقال لى «اشتغلوا واتبسطوا خلى الشباب اللى طالع ده يبنى مستقبله، بس أهم حاجة مش عاوز أسمع شكوى إن حد جه هنا ومشى زعلان»، وأكد لى أنه سوف يكلف المسئولين فى المحافظة بإحداث توسعات وإجراءات تزيد من حجم استيعاب المنطقة للزائرين.
ثمة تغير كبير طرأ على تعبيرات وجه «موسى» الذى ظهرت عليه علامات الغضب عندما سألناه عن الوضع الحالى للسياحة فى محيط منطقة القناطر الخيرية مقارنة بالماضى حيث اكتفى بالإجابة «عبدالناصر مات، والسادات مات، وإحنا معاهم»، مؤكداً الحالة المزرية التى ضربت المنطقة بأكملها وتسببت فى تفرق أبنائها واتجاه بعضهم للعمل فى أماكن أخرى، وتساءل عن أسباب الإهمال المتعمد للدولة تجاه المنطقة التى كانت توفر العيش الكريم لأسر أكثر من 10 آلاف شخص يعملون بها، على الرغم من أن الاهتمام لن يكلف الدولة إلا القليل، سواء بإعادة ترميم الشاليهات وتجديد الحدائق وتسليط الأضواء مرة أخرى عليها، وقيام بعض المسئولين بتكرار زيارتهم إلى المنطقة لتشجيع عودة السياحة بها.[FirstQuote]
صهيل الخيل يتصاعد من داخل جدران المبانى المتهالكة، تتبعه وصلات من الكر والفر بين صبيان الحناطير وخيولهم التى لا تزال مياه الاستحمام فى النيل تتبعثر من فوق ظهورها، بعضها يجد طريقه فى الاختباء من عصا الصبى داخل شاليه هنا أو كازينو هناك، وأخرى ارتصت بجوار بعضها البعض وسط الرصيف الضيق الذى لا يسمح بمرور أكثر من سيارة فى وقت واحد.
أشرف حسين، شاب عشرينى العمر، ورث عن والده شركة عربات حنطور تعمل فى كافة أرجاء القناطر الخيرية، يتولى إدارتها منذ ما يزيد على 11 عاماً، يرى أن وضع العمل الحالى «خراب بيوت»، بسبب حالة الكساد التى تسيطر على المنطقة، والناتجة عن انخفاض معدل الزائرين بنسبة ترتفع لـ100%، الأمر الذى أجبره على تسريح عدد كبير من العاملين لديه، وبيع عدة عربات حنطور بخيولها لمواجهة الأزمة حيث يقول «مالقيتش قدامى غير إنى أبيع العربيات والأحصنة وأسرح الصبيان اللى شغالين عليها، ماحدش عارف يسلك بنفسه دلوقتى فما بالك باللى متعلق فى رقبته 30 شخص عاوزين يقبضوا علشان يصرفوا على عيالهم ويفتحوا بيوتهم».[SecondQuote]
الحل من وجهة نظر «أشرف» لإعادة حركة العمل لما كانت عليه من قبل، يتمثل فى قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة المنطقة، التى سوف ينتج عنها أمران، الأول: قيام المسئولين فى المحافظة بتطوير الأجزاء المتهالكة وإعادتها بصورة أفضل مما كانت عليه فى الماضى قبل زيارة الرئيس للمنطقة، والثانى: إعادة توجيه الأنظار مرة أخرى إلى القناطر الخيرية بسبب الاهتمام والأضواء التى سوف يتم تسليطها عليها، ومن ثم إعادة وضعها ضمن برامج السياحة العالمية «لأن الناس عندها فضول فهيفكروا ييجوا يشوفوا المنطقة بعد ما الرئيس السيسى افتتحها».
«هنشط السياحة إزاى فى القناطر الخيرية، والمدخل بتاعها الزحمة موقفاه على مدار الـ24 ساعة والخناقات ما بتنتهيش عليه، وكل ساعة والتانية الحكومة تيجى توقف الحركة علشان تقبض على سواقين التكاتك اللى بيتاجروا فى المخدرات والسلاح»، يستطرد «أشرف»: منظومة العمل فى المنطقة المحيطة بالقناطر الخيرية تضر بالسياحة بها أكثر من أى شىء آخر، سواء من ناحية التعثر المرورى أو سوء معاملة بعض سائقى التوك توك للزوار والنصب عليهم، والواجهة غير الجمالية للمدخل، الأمر الذى يتطلب وضع خطة تطوير يتولى الإشراف عليها مسئولون «كبار» تنتهى بافتتاح الرئيس السيسى لها، وعلى رأس تلك الخطة إعادة تجهيز الشاليهات للعمل، لأن الزبون الدائم يساهم فى دعم السياحة أكثر من «الطيارى»، لأنه سوف يكون فى حاجة إلى من يلبى احتياجاته «وده معناه إن المحلات هتشتغل والمطاعم هتفتح تانى، وأصحاب عربات الحنطور والمراكب هيفسحوا الزباين مرة تانية» ومن ثم ستعود الروح إلى المنطقة مرة أخرى.