الذكاء الاصطناعي.. ذلك الفنان!

عصام زكريا

عصام زكريا

كاتب صحفي

السؤال الذى يشغل الكثيرين الآن فى كثير من المجالات هو مستقبلهم ومستقبل مهنتهم مع الصعود المتواصل للـAI أو «الذكاء الاصطناعى» الذى يتوقع أن يقوم بكل شىء تقريباً، من الأعمال المنزلية الخفيفة إلى أعقد العمليات الجراحية، ومن قيادة السيارات إلى تأليف الروايات والموسيقى، وصنع الأفلام بدون ممثلين أو مواقع تصوير!

حتى وقت قريب جداً كان الاعتقاد السائد أن الذكاء الاصطناعى لا يمكن أن يحل مكان العنصر البشرى الذى يقوم بتشغيله وتزويده بالمدخلات، كما كان يعتقد أن هناك مِهَناً لا يستطيع أن يتفوق فيها على الإنسان، ومنها مثلاً الترجمة التى تحتاج إلى فهم السياق والأسلوب والإيقاع والمصطلحات والفوارق الدقيقة بين المترادفات وأن اللغة هى الملكة التى تميز ابن آدم عن الحيوانات والآلات، وأن الروبوت، مهما بلغ من تطور لا يمكنه أن يبدع فناً أو فكراً مستقلاً وشخصياً، ولا أن يشعر بالحب والكره أو السعادة والملل أو الرغبة والنفور.

وكما يبدو، وحسب ما نرى ونسمع من ابتكارات ومستجدات كل يوم، فكل هذا كلام قديم تجاوزه الزمن، مثل الزمن الذى كان يقال فيه إن الكمبيوتر لا يمكنه أبداً أن يهزم العقل البشرى فى لعب الشطرنج، ثم جاء برنامج «ديب بلو» ليهزم بطل العالم آنذاك (منتصف تسعينات القرن الماضى) جارى كاسباروف.

«ديب بلو» ومستحدثاته من برامج الكمبيوتر أصبحت قديمة الآن بعد أن تم التوصل إلى فكرة «جهنمية» لا تعتمد على تزويد الكمبيوتر بالمواد اللازمة، ولكن بجعله يعلم نفسه بنفسه، وهو ما أدى إلى ابتكار برنامج «ألفا زيرو» الذى تفوق على كل العقول البشرية والإلكترونية فى الشطرنج ومثيلاتها من ألعاب ونشاطات الذكاء التى كان يعتقد أنها حكر على الجنس البشرى.

الآن يجرى تصميم عقول اصطناعية بمواصفات تحاكى العقل البشرى إلى حد كبير، ما يجعله يميز ويقيس ويضع الأشياء فى سياقها ونصابها، وما يجعله أيضاً قادراً على الابتكار ونقد وتطوير الذات.

الآن بمقدور الذكاء الاصطناعى أن يرسم لوحة ويؤلف مقطوعة موسيقية على طريقة موتسارت أو بيتهوفن أو البيتلز، وأن يبتكر أسلوباً فنياً جديداً يجمع بينهم!

والأخطر حتى من ذلك أنه يستطيع «انتحال» أى شخصية يريدها، وقريباً جداً سنشاهد أفلاماً حديثة من بطولة شارلى شابلن ومارلين مونرو.

ومنذ أيام ثارت وماجت النجمة الجميلة سكارليت جوهانسون بعد أن قامت إحدى الشركات بـ«اصطناع» صوتها على أحد الإعلانات.

ومن الطريف أن «جوهانسون» قامت منذ عشر سنوات بالمشاركة بصوتها فى بطولة فيلم بعنوان «هى» Her (إخراج سبايك جونز وبطولة واكيم فينيكس، 2013) يدور حول شاب «مستوحد» يقع فى حب تطبيق على الهاتف يحمل صوت امرأة يحاكى صوت سكارليت جوهانسون!

الآن أصبحت هناك أجيال متتالية من «المستوحدين» و«المستوحدات» الذين يعيشون داخل «الواقع الافتراضى» للأجهزة الإلكترونية، ولا يكادون يميزون بين الواقع والمتخيل، على طريقة فيلم «الماتريكس» الذى افترض صناعه أن العقول الإلكترونية ستسود الأرض وأن البشر سيتحولون إلى كائنات تعيش فى أنابيب متخيلة أنها تحيا حياة واقعية مليئة بالتفاصيل اليومية «الافتراضية»!.