لماذا احتلت الدول العربية مراكز متأخرة في مؤشر السعادة العالمي؟

كتب: محمد حامد

لماذا احتلت الدول العربية مراكز متأخرة في مؤشر السعادة العالمي؟

لماذا احتلت الدول العربية مراكز متأخرة في مؤشر السعادة العالمي؟

اهتمت العديد من التقارير العالمية برصد وتقييم اتجاهات المواطنين حول المجتمعات التي يعيشون فيها، بهدف التعبير عن التطورات والأحداث التي تشهدها هذه المجتمعات، ولكن في بعض الأحيان تأتي نتائج هذه التقارير متعارضة مع الواقع. وتعتمد التقارير العالمية التي تهتم بهذا الشأن على معايير مادية بحتة، تُطبق على دول العالم بأسره دون النظر لاعتبارات الاختلاف بين الغرب المتقدم المستقر إلى حدٍّ ما، والشرق النامي المضطرب بشكل كبير. وضمن هذه التقارير مؤشر السعادة العالمي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة والذي يهتم بإلقاء الضوء على العلاقة بين المواطنين والدولة، والأهمية التي تُوليها النظم السياسية الحاكمة لرأي المواطن، ورصد مدى رضاه وسعادته عما تقدمه من خدمات، ومعرفة هواجسه ومخاوفه، وأكثر القضايا التي تشغل حيزًا من اهتماماته. ورغم أن الثورات العربية عبرت بشكل كبير عن الفجوة بين إدراك الدولة لدورها، وما يريده المواطن منها، فإن هناك إجراءات، وإن كانت محدودة، بدأت بعض الدول في إبداء مزيد من الاهتمام بها، في سياق قياس رأي المواطن بشكل دوري لمدى رضاه عما تقدمه من خدمات، ولكن احتلت الدول العربية مراكز متأخرة في تقرير مؤشر السعادة العالمي لعام 2015. وتناول تقرير مؤشر السعادة لعام 2015، الفترة من 2012 إلي 2014، واتضح من نتائجه تدني مراتب معظم الدول العربية، وتراجع ترتيب بعضها عن ذلك الترتيب الذي حققته في التقرير السابق الصادر عام 2013، والذي تناول الفترة من 2010 إلي 2012. وشمل تقرير مؤشر السعادة العالمي 158 دولة، احتلت الدول الاسكندنافية المراكز الأولى، بينما لم تأتِ سوى دولة عربية واحدة هي دولة الإمارات ضمن المراكز العشرين الأولى، وذلك بحصولها على المركز العشرين عالميًّا، وجاءت سلطنة عمان في المركز الثاني عربيًّا والمركز 22 عالميًّا، واحتلت قطر المرتبة 28 عالميًّا، يليها السعودية في المرتبة 35، والكويت في المركز 39، والبحرين في المرتبة‏‎49 ، وتأتي ليبيا في المرتبة 63، ثم دولة الجزائر في المرتبة 68، وجاءت الأردن في المرتبة 82 عالميًّا، والمغرب في المرتبة 92 عالميًّا. وتراجعت كل من تونس التي احتلت المركز 107، وفلسطين التي جاءت في المرتبة 108، والعراق التي حصلت علي المركز 112، ومصر التي احتلت الترتيب 135، واليمن التي جاءت في المركز 136، وسوريا التي أخذت المرتبة 156 عالميا، لتأتي هذه الدول بذلك في ذيل القائمة. وترصد دراسة أجراها المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة أسباب تدني مراتب معظم الدول العربية، وتراجع ترتيب بعضها لتحتل ذيل قائمة تقرير مؤشر السعادة العالمي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، والذي يعتمد على استطلاعات رأي تجريها مؤسسة "جالوب"، لأبحاث الرأي العام. وبحسب الدراسة، يكمن تفسير أسباب تراجع معظم الدول العربية مقارنةً بدول العالم، في أن تقرير مؤشر السعادة يأخذ بعين الاعتبار في تصنيفه إلى جانب استطلاعات رأي مؤسسة جالوب في الدول التي شملها، عوامل أخرى كثيرة، ‏منها الناتج الاقتصادي الإجمالي لكل فرد من سكان كل دولة، وحجم السكان، ومتوسط طول العمر للمواطنين، ومستويات الفساد في المؤسسات والمجتمع، ومستوى التعليم الذي يحصل عليه الفرد، والحريات الاجتماعية الممنوحة من قبل الدولة للأفراد، فضلا عن معيار المساندة الاجتماعية للمواطن، سواء من جانب الدولة أو المواطنين الآخرين. ونظرًا لتدني المؤشرات الاقتصادية لأغلب اقتصادات الدول العربية خلال العامين الماضيين وهي الفترة التي تناولها التقرير، بفعل غياب الاستثمارات الأجنبية، وتوقف العديد من القطاعات الإنتاجية نتيجة غياب الأمن، وتفشي ظاهرة الإرهاب، وانتشار حركات الاحتجاج العمالية بشكل كبير مما تسبب في تعطيل أكثر من قطاع اقتصادي حيوي. وتأثير الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها أغلب الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات على مؤشرات الاقتصاد العربي بشكل عام، ففي هذا الإطار أكد صندوق النقد العربي في التقرير العربي الاقتصادي الموحد الصادر في فبراير 2015، أن أداء الاقتصاديات العربية تأثر بعدد من العوامل التي شهدتها المنطقة، مما نتج عنه تراجع معدلات النمو المسجلة في الدول العربية. وتراجع أسعار النفط خلال العام الماضي أسهم بشكل كبير في تراجع أداء الاقتصاديات العربية بشكل عام، وقد انعكس ذلك في ترتيب بعض الدول العربية في مؤشر السعادة، وهو ما أكده تقرير صندوق النقد العربي، بتوضيحه أن تراجع معدلات النمو المسجلة في الدول العربية المصدرة للنفط جاء انعكاسًا لانخفاض كميات الإنتاج النفطي في بعض تلك الدول من جهة، إضافةً إلى تأثير تراجع الأسعار العالمية للنفط من جهةٍ أخرى. كما أن تراجع معظم تلك الدول في تقرير مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، كان سببًا آخر في حصول الدول العربية على مراتب متأخرة في مؤشر السعادة، الذي يعتمد على مؤشر الفساد كأحد المؤشرات الرئيسية في تقييم مدى سعادة المواطنين.