ما الذى يحدث في إسرائيل؟

لؤي الخطيب

لؤي الخطيب

كاتب صحفي

بعيداً عن المشاعر والانحيازات ثمة أمر جلل يحدث فى إسرائيل، أمرٌ جعل وصف «المهزلة» يليق تماماً بأداء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التى كانت تُصنف يوماً ما، باعتبارها من أقوى أجهزة الأمن فى المنطقة.

كثير من الضحك أعقب نشر جهاز الشاباك صورة الزميل الإعلامى المصرى محمد شبانة باعتباره عنصراً من حماس، لكن تحليلاً أعمق لهذا الحدث، فى سياق أحداث أخرى، ربما يجعلنا نتعامل مع المشهد بجدية أكبر.

هذه الواقعة لم تكن مجرد خطأ استخباراتى إعلامى، بل تعكس مدى التهاون وعدم التدقيق فى المعلومات قبل نشرها، من جهاز يعتمد أصلاً على المعلومات، وهو ما يضع سمعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على المحك. حينما تكون الأخطاء التى يقع فيها جهاز بحجم الشاباك، تتساوى مع أخطاء طالب فى المرحلة الإعدادية لا يدقق بحثه المدرسى، ويعتمد على أول نتيجة تظهر على جوجل، فهذه مهزلة، لكنها تعكس حالة الترهل المربكة التى تضرب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، شهدت إسرائيل سلسلة من الإخفاقات الأمنية التى كشفت عن جوانب العوار فى أداء أجهزتها الأمنية، بما فى ذلك الجيش والشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلى)، والتقارير الإعلامية الإسرائيلية تكشف تباعاً حجم هذا الإخفاق فى توقع عملية 7 أكتوبر، والتعامل مع تبعاتها.

فمثلاً، صحيفة «هآرتس» نشرت تقريراً كشفت فيه عن أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قللت من قدرة حماس على تنفيذ عملية بهذا الحجم، بل إنها أوقفت جمع المعلومات عن حركة حماس منذ عام 2021، باستثناء عدد محدود من قادة الحركة.. البقية طبعاً معروفة، والهجوم تم ومثّل فضيحة لإسرائيل.

لكن، لا يمكن فصل هذه المهازل عن الوضع بشكل عام فى إسرائيل، وهذه حالة مثالية لدراسة أثر اضطراب الجبهة الداخلية ووصول المتطرفين إلى الحكم، على أداء مؤسسات الدولة.

قبل نحو شهر ونصف من 7 أكتوبر، تحدثت القناة 12 العبرية، عن تحديات تواجه مؤسسات الأمن الإسرائيلية، وزعمت أن قادة هذه المؤسسات يدرسون مواجهة الرأى العام بطبيعة تلك الأزمة بشكل علنى.

وبغض النظر عن مدى صحة ما ورد فى التقرير، إلا أنه يتسق تماماً مع مشاهد المظاهرات اليومية التى كانت تملأ إسرائيل، والخلافات والاستقطابات العنيفة، فضلاً عن العبث بقوانين شديدة الخطورة تقوض مؤسسة القضاء.

هذه السيولة، التى تأتى معها فى نفس السياق، سيولة إعلامية مذهلة تتجلى فى أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية ونقلها تفاصيل خطيرة وحساسة من الغرف المغلقة، كل ذلك يرسم صورة لحالة الفوضى التى ضربت إسرائيل.

البعض يرى أن هذه الحالة مصطنعة، وهو رأى يجد شواهد تؤكده، لكننى لا أتفق مع ذلك، فشواهد الفوضى أكبر وأوضح وأعمق، وهى تجعلنا جميعاً أمام نموذج محلول، يوضح خطورة اهتزاز الجبهة الداخلية ووصول المتطرفين إلى الحكم، على أمن المجتمع، مهما كانت الإمكانات التى تملكها الدولة.