متلازمة البط

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

يعانى الجميع من ضغوط الحياة بمن فيهم الأشخاص الناجحون، فهم أيضاً يحاربون تحت ضغط لتحقيق نجاحهم أو استمراره، لذا فكلنا نعانى من «متلازمة البط» بشكل أو بآخر.. وتُعرف تلك المتلازمة بأنها ظاهرة أو حالة نفسية تظهر بشكل عام، ولكن لم يتم تصنيفها بعد بأنها مرض عقلى.

وتصف هذه المتلازمة شعور بعض الأشخاص، الذى يكون كشعور البط فى البقاء فوق الماء، حيث إنه قد يبدو عليهم الهدوء من الخارج ولكنهم فى الواقع يواجهون صعوبة ويكافحون بقوة لمواكبة متطلبات الحياة أكاديمياً واجتماعياً والنجاح بها كما تفعل البطة عند التجديف بالماء.

ويعانى ما يقرب من 87% من سكان الأرض من تلك المتلازمة (على رأسهم الطلاب خاصة فى أوقات الامتحانات)، وتكون المرأة هى الأكثر تأثراً وإصابة بمتلازمة البط عن الرجل بعض الشىء بسبب زيادة الجانب الوجدانى لديها.

«متلازمة البط» هى عبارة عن مرض نفسى، حيث يكون ظاهره ابتسامة عريضة للشخص، ولكن من داخله ثورة غضب ويكون حريصاً على عدم إظهار ما بداخله للآخرين، وهى ظاهرة منتشرة لدى الكثير من الناس ولا يستطيع تمييزها إلا الخبراء فى لغة الجسد والأطباء النفسيون، وهى ترجع إلى القهر نتيجة تعرُّض الشخص للظلم وعدم استطاعته الدفاع عن نفسه ضد مَن ظلموه.

لنقِس هذا على ما يدور حولنا من أحداث وشخصيات، فالكاتب الجاد الرصين جالس بهدوء يتأمل أو يكتب فى زاوية وأمامه كوب قهوة. هو فى الواقع يصارع حُمَّى تتابع الأفكار وخيط الأحداث فى مخيلته.. حتى «المهرج» على السوشيال ميديا أو المؤثر الذى يُظهر دائماً نجاحاته ويقدم النصائح للآخرين هو فى داخله يتألم.. وأتصور أن النجاح السريع لمغنى المهرجانات ومشاهير التواصل الاجتماعى قد تحول إلى عامل ضغط على جميع الشباب الذين يبذلون جهداً مضاعفاً للنجاح لكنهم لا يحققون ربع ما يحققه أحد هؤلاء.

ويرى بعض المحللين النفسيين أن 87% من سكان الكرة الأرضية يعانون منها: «الـ13% الباقون لا يزالون أطفالاً وعندما يكبرون سوف يعانون منها».

ومتلازمة البط قد تسبب الانتحار، نتيجة لكثرة الضغوط الحياتية وقلة الصلابة النفسية والمرونة الذهنية ومهارات حل المشكلات.

على مستوى آخر قد نجد أشخاصاً لديهم من الصلابة النفسية ما يجعلهم أقرب ما يكون إلى «أسطورة سيزيف».. على المستوى الشخصى أتصور أن قدَرى أشبه بأسطورة «سيزيف» كلما حملت صخرتى إلى قمة الجبل سقطت من جديد.. لأعيد نفس سيناريو الألم والتحدى والعذاب!

«سيزيف» كان أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادى، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدى.

ويقول «ألبير كامو» فى مقاله المنشور عام 1942 والمسمى «أسطورة سيزيف»، إن سيزيف يجسد هراء وسخف ولا منطقية ولا عقلانية الحياة الإنسانية، ولكنه يختم بقوله إن المرء لا بد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور، تماماً كما أن النضال والصراع والكفاح ذاته نحو الأعالى والمرتفعات كافٍ وكفيل بملء فؤاد الإنسان، حيث يقول عنه: (ليس هناك عقاب أفظع من عمل متعب لا أمل فيه ولا طائل منه)!.

ليس لدىّ سبب واضح لإصرار أصحاب الإرادة الذهبية والإصرار على تكرار أسطورة سيزيف.. لكنى أعتقد أن البقاء محارباً ليس بطولة بقدر ما هو اتساق مع النفس، خاصة حين تعلن وجعك بكل شجاعة (ليس على سبيل الشكوى أو التسول العاطفى)، فالمحارب لا يحتاج إلى دعم أو سند، لكنه أحياناً يقتل الألم بالبوح ويعتبر التغلب على معاناته ليس سُبَّة بقدر ما يدعو للفخر.. بدلاً من أن يعانى «متلازمة البط» وينتحر يأساً وكفراً بعبقرية الإنسان.