أوروبا تُدمِن الاستيقاظ متأخراً
الدراسة الصادرة عن مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات بعنوان «فرنسا تواجه الإخوان المسلمين»، بالإضافة إلى التقارير التى نشرها موقع «يوروبيان كونسرفاتف» مفادها أن جماعة الإخوان هى شبكة اجتماعية توحّدها روابط أيديولوجية واقتصادية تتلقى تمويلاً ضخماً من دول، وترغب فى إقامة خلافة إسلامية.
كل هذه التقارير دارت حول الإجراءات الجادة التى بدأت الحكومة الفرنسية اتخاذها لتضييق الخناق على توغل جماعة الإخوان الإرهابية وامتدادها إلى أوروبا من البوابة الفرنسية.
خلال الأسابيع الماضية عُقد مؤتمر بإحدى مدن فرنسا حول جماعة الإخوان وأهدافها، حيث أكد المشاركون أن الجماعة تعمل على إقامة خلافة فى أوروبا باستخدام القوى الناعمة وليس بالإرهاب.
فى السياق ذاته فتحت الحكومة الفرنسية تحقيقاً فى أنشطة تنظيم الإخوان على أراضيها واتهامها بنشر الفكر المتطرف بعد التصريحات الحادة لوزير الداخلية الفرنسى عن لجوء التنظيم الإخوانى الإرهابى حالياً إلى أساليب أكثر ليونة من أجل تحويل جميع شرائح المجتمع إلى صفوفه، معتبراً إياهم «دعاة كراهية» ينتهجون استراتيجية الإيذاء لزعزعة استقرار فرنسا، مما يُحتم التصدى لهم، مشيراً إلى أن عدداً من الدول، على رأسها مصر وتونس حظرت جماعة الإخوان بسبب جرائمها، كما عبّر عن توجه حكومته إلى استلهام سياسة النمسا التى أدرجت جماعة الإخوان على القائمة السوداء.
فى هذا الإطار، تبدو كل دول أوروبا، وليس فقط فرنسا وألمانيا، على موعد مع صيف ساخن، تحديداً مع إجراء انتخابات البرلمان الأوروبى شهر يونيو المقبل، إذ ستشهد الانتخابات الأوروبية محاولات مستميتة من الجماعات المتطرّفة -أبرزها جماعة الإخوان- لعودة شخصيات تنتمى إليها للظهور مجدّداً فى الحملات الانتخابية لهذا الحدث.
تنامى الدعوات لمواجهة محاولات جماعة الإخوان توسيع نفوذها فى المجتمع الفرنسى تحديداً والمجتمع الأوروبى بوجه عام لم يأتِ من فراغ، إذ تتزايد الأدلة على ازدياد تغلغل جماعة الإخوان فى المجتمع الفرنسى بشكل شبه يومى، أما الذريعة فلا تتغير القضية الفلسطينية، إذ دأبت الجماعة منذ إنشائها على المتاجرة بها فى مزاعم لا تتخطى الشعارات الزائفة، فالتاريخ لا يذكر لهذه الجماعة تضحية واحدة قدّمتها من أجل القضية الفلسطينية.
منذ سبعة أكتوبر الماضى لم ينقطع استثمار الجماعة لمآسى وآلام الشعب الفلسطينى فقط خدمة لمصالحها فى المزيد من التغلغل فى الدول الأوروبية.
هذا النشاط المستتر فى شكل مراكز ومؤسسات اقتصادية أو دعوية أو ثقافية أصبح يُشكل جرس إنذار لحكومات الدول الأوروبية، وبعدما كان الوجود الإخوانى مقتصراً على مناطق الكثافات المسلمة، سعت الجماعات الإسلامية منذ أعوام إلى تمديد تأثيرها عبر مختلف المجالات الأخرى المؤثّرة، وعلى رأسها الاقتصاد والسياسة تحديداً فى العواصم الثلاث التى تتمركز فيها «لندن باريس برلين»، ومن هنا صدر التحذير الفرنسى حول سعى جماعة الإخوان لإقامة دولة خلافة فى أوروبا، وتحديداً لأن الجماعة فى مسار تحقيق مصالحها عقدت شبكة تحالفات مع كتل إسلامية متشدّدة أخرى أو حتى كيانات مخالفة للشريعة الإسلامية.
بعد استيعاب الموقف الأوروبى -باستثناء عدد قليل من الأصوات النشاز- لحقيقة تتابع الأحداث فى مصر منذ يناير 2011 حتى استعادت مصر قوتها واستقرارها، أدرك الإخوان أنهم كانوا مجرد أوراق ضغط مؤقتة فى يد بعض القوى لاستخدام الجماعة فى ضرب وإضعاف أى دولة تُعرقل المصالح الأوروبية والأمريكية فى المنطقة العربية، كما حدث أمام تحفّز بعض القوى تجاه إرادة الشعب المصرى فى 30 يوليو 2013، مما دفع الجماعة إلى ترسيخ وجودها داخل المجتمعات الأوروبية عن طريق قنوات أخرى.
للأسف تأخر التقاط أوروبا رسائل الفطنة المصرية بذكائها الحاد حين أدركت الفرق الشاسع والخطير الذى يكشف أن ما تُروج له جماعة الإخوان من مزاعم فى شعاراتها الدينية عن المسالمة هو مجرد «ماكياج» يخفى جماعة دموية لا تتوانى حتى عن قتل أفرادها وإلصاق التهم بمعارضيها.
أوروبا الآن أجبرت على إجراء مراجعات لتصحيح أخطاء باتت تُهدّد استقرارها الاجتماعى والأمنى حين اعتبرت الإخوان فصيلاً سياسياً معارضاً وبدأت الآن الكشف عن دلائل تربط الجماعة بالتنظيمات التكفيرية بنظرة أكثر جدية.
هذه المراجعات المتأخرة أغفلت قراءة التاريخ الذى تؤكد وثائقه أن أحد أهم أسس قيام الجماعة تقسيم النسيج الاجتماعى للكتلة الشعبية الواحدة، وبالتالى بعد فشلهم الذريع فى مصر توجه الآن الجماعة المنحلة نفث سموم هذا التقسيم داخل أوروبا، التى أصبح عليها دفع ثمن التأخر فى استيعاب رسائل الشعب المصرى منذ عام 2013.