عم الشيخ محمد رفعت.. سلام لروحك الطاهرة

سعيد حجازي

سعيد حجازي

كاتب صحفي

اختص الله عز وجل، عبده داود بن ايشا بـ«المزامير»، حيث نعمة الصوت الأجمل بالكون، وتلاوته للزبور التي تأخذك لعالم الطمأنينة والخشوع، فتصل روحك للملكوت، تجعلك ما بين السماء والأرض، تلك التلاوة التي جعلت كل الكائنات المحيطة تردد معه التسبيح والابتهال حباً وتمجيداً وطرباً، فقال تعالي«يا جبال أوبي معه والطير».

ومن بعد «داود» اختص الله عباد صالحين في ذكره، كتب الله البقاء لذكرهم في الدنيا، من هؤلاء عم الشيخ محمد رفعت سيد مدرسة التلاوة المتربع علي عرشها، حيث جمال التجويد، والصوت الجميل، وقمة الأحكام والفن الرفيع الرائع، عالم بما يقرأ، تستطيع أن تفهم الآيات البينات بمجرد نطقه للكلمة، يروي قلوبنا وآذاننا وعطشنا لسماع آيات الذكر الحكيم.

السلام والتحية من الله العلي الآعلي لروحك الطاهرة يا مولانا، لم تكن كبقية الأصوات تجري عليها أحكام الناس، كان هِبة من السماء، منحة من الله وتكريم للإنسانية، لا حرمنا الله من صوته الروحاني العذب، وغفر لسامعيه ومحبيه في كل زمان ومكان، كان مجددًا لشباب الإسلام بقراءته لكتاب الله، فكان يقرأ القرآن وهو يبكي، ودموعه على خديه، ظل وسيظل متفرداً ولا يقلد، إنه بصدق هرم التلاوة، وإمام المقرئين.

عندما كان الشيخ يتلو القرآن في جامع فاضل باشا، لم يكن أحد من المستمعين يتصايح بعبارات الطرب والانسجام، كما يحدث في هذه الأيام، بل يعم السكوت والسكون، يُجبرهم على الصمت والجلوس في أماكنهم، ليستمتعوا لهذا الصوت الملائكي، يهتز وجدانهم، تفيض روحهم بالبكاء، دموع خاشعات تغسل النفس من الأحزان والذنوب.

السابعة صباحا بتوقيت القاهرة، توقيت زمني يرتبط علي مر تاريخ إذاعة القرآن الكريم بتلاوة سيد مدرسة التلاوة، لا يخلو بيت من المحيط للخليج من صوت الشيخ محمد رفعت، وصف الشيخ محمد متولي الشعراوي عبقرته بالجامعة، حين قال «إن أردنا أحكام التلاوة فالحصريّ، وإن أردنا حلاوة الصوت فعبد الباسط عبد الصمد، وإن أردنا الخشوع فهو المنشاوي، وإن أردنا النفَس الطويل مع العذوبة فمصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت».

68 عاماً عاشها مولانا في جوار القرآن وخدمته، أتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، وبدأ إحياء ليالي القرآن الكريم وهو في سن الرابعة عشرة، وأصبح قارئ مسجد فاضل باشا في الخامس عشر، اتسعت شهرته في المشرق والمغرب. سئل الكاتب الكبير محمود السعدني عن سر تفرد الشيخ رفعت فأجاب: «كان ممتلئا تصديقا وايمانا بما يقرأ.. صوته هو أجمل صوت بين المقرئين، بل هو أجمل صوت بين المطربين أيضاً، إن صوته أجمل من صوت عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمد قنديل وعبدالحليم.. ليس لصوته نظير فى الطبقات العليا، وهو صاحب طريقة فذة فرضت نفسها على العصر كله».

وصف موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب صوته بأنه «ملائكي يأتي من السماء لأول مرة»، وقال عنه الكاتب الكبير أنيس منصور: «هذا الصوت كان قادرا على أن يرفعك الى مستوى الآيات ومعانيها، ثم انه ليس كمثل أي صوت آخر».

رحل مولانا عن الدنيا جسداً منذ 74 عامًا، لكنه يظل علما من أعلام الاسلام، غادرنا ولاتزال تسجيلاته خالدة، تبثها الاذاعة المصرية يوميًا، لتستمتع بها الإنسانية، رحم الله مولانا بقدر ما أعطى للقرآن وأخلص له، وبقدر ما متع أسماعنا وقلوبنا بجميل تلاواته.