ألاعيب الجماعة واعترافات الأثر الرجعي (10).. وجهاً لوجه مع شمس بدران!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

توقفنا فى الحلقة السابقة عند إسناد مهمة التحقيق فى التنظيم الذى ضبط بالصدفة أو قل فجأة إلى شمس بدران والمباحث الجنائية العسكرية.. كان اسم شمس بدران كفيلاً لالتقاط نوع الإشارة المرسلة من الدولة وقتها بضرورة الحسم الكامل والسريع لهذه القضية التى ظهرت فجأة وكشفت عن وجود تنظيم سرى مسلح يستهدف القفز إلى السلطة بإحداث أكبر ارتباك فى البلاد بتفجير منشآت حيوية من بينها القناطر الخيرية أى إغراق الدلتا بكاملها! وكذلك وجود عضو فى التنظيم بالحرس الرئاسى.. أى بالقرب من الرئيس جمال عبدالناصر ولا أحد حتى الآن يعرف من هو!

كان اسم «بدران» وإلى اليوم علامة مسجلة للقسوة التى تكون لا مفر منها إن كان المقابل إنقاذ مصر كلها.. وباتت القناعة إزاء إصرار أعضاء التنظيم على الصمت إلا بانتزاع الاعترافات بالقوة.. بالعنف.. ومن هنا جاءت فكرة التعذيب وهو ما اعترف به «بدران» عقب الإفراج عنه عام ١٩٧٤ فى حوار لمجلة الحوادث اللبنانية، حيث قال إنه كان فى سباق مع الزمن.. إما أن يسبقونا ويقتلوا الرئيس ويغرقوا الدلتا أو أن نسبقهم وننقذ البلد.. وأضاف حرفياً «يمكننى أن أبرئ نفسى من ملف التعذيب وأقول كنت أنفذ تعليمات الكبار لكن هذا ما جرى» ثم روى التفاصيل السابقة!

المهم.. ظل الإخوان ينكرون التنظيم والقضية والقصة كلها.. وفجأة صدرت فى لندن بالثمانينات جريدة اسمها «المسلمون».. حظيت بتمويل عربى ضخم وكانت تصل إلى مصر كأنها صحيفة مصرية.. وعلى صفحاتها جاءت اعترافات عديدة ذكرنا بعضها فى الحلقات السابقة.. كنا نتابعها كطالب صغير يتابع كل شىء ويتطلع للعمل بالصحافة فيما بعد، وكان من بينها تلك الصحيفة التى تحولت إلى لسان حال الجماعة من خارج مصر.. لكن فجأة نُشر تنويه عن حلقات قادمة سيكتبها سيد قطب! سيد قطب؟! كيف ذلك؟! هذا ما جذب القراء حتى انتظر الآلاف الموعد المحدد وكانت حلقات بعنوان «لماذا أعدمونى؟!» وبها أوراق بخط يد سيد قطب نفسه! كتبها فى الوقت بين ضبط التنظيم وإعداده.. وسربت من السجن مع زائريه خصوصاً أن أغلب وقته كان بالمستشفى! وفيها جاء اعتراف رسمى من قائد التنظيم نفسه الذى عرف باسمه «تنظيم سيد قطب»!

يقول فى بعض الصفحات:

«على عشماوى زارنى على غير ميعاد وأخبرنى بأنه كان منذ حوالى سنتين قبل التقائنا قد طلب من أخ فى دولة عربية قطعاً من الأسلحة، حددها له فى كشف، ثم ترك الموضوع من وقتها، والآن جاءه خبر منه أن هذه الأسلحة سترسل، وهى كميات كبيرة حوالى عربية نقل، عن طريق السودان مع توقع وصولها فى خلال شهرين.. وكان هذا قبل الاعتقالات بمدة ولم يكن فى الجو ما ينذر بخطر قريب.. ولما كان الخبر مفاجئاً فلم يكن ممكناً البت فى شأنه حتى نبحثه مع الباقين، فاتفقنا على موعد لبحثه معهم.. وفى اليوم التالى -على ما أتذكر- وقبل الموعد جاءنى الشيخ عبدالفتاح إسماعيل وحدثنى فى هذا الأمر وفهمت أنه عرفه طبعاً من على وكان يبدو غير موافق عليه ومتخوفاً منه، وقال: لا بد من تأجيل البت فى الموضوع حتى يحضر صبرى، وقلت له: إننا سنجتمع لبحثه».

لماذا اخترنا الجزء السابق تحديداً؟ ليس فقط لأنه يعترف بالتنظيم صراحة بعد إنكار زاد على العشرين عاماً.. بل استمر فى غباء شديد بعده أيضاً اعتقاداً أن الحلقات لم يسمع بها الجيل الجديد! أى جيل التسعينات فقد كانت الجريدة اللندنية قد توقفت!

إنما هناك أسباب أخرى لاختيار الفقرة. حيث تضمنت اسمين لهما دلالة كبيرة.. عبدالفتاح إسماعيل وهو المتهم الأول والثانى على عشماوى.. الذى نشر اعترافاته كاملة بعد ذلك بعشرين عاماً وتحديداً فى ٢٠٠٦ فى كتاب بعنوان «التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين» ومسلسلة فى مجلة «المصور» وقت أو أواخر رئاسة تحرير الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد لها!

لم تكن مذكرات عشماوى ولا اعترافات سيد قطب فى «المسلمون» وحدها عن تنظيم ٦٥ الذى اتهموا الدولة بتلفيقه لربع قرن بل وأكثر كما قلنا ولكن هناك أيضاً أحمد عبدالمجيد وكتابه «الإخوان وعبدالناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965» وأيضاً محمد الصروى وكتابه (تنظيم 65 الصحوة والزلزال) وكذلك مقال كتبه عصام تليمة وهو فى تركيا بخلاف «البوست» الذى أشرنا إليه وكتبه على موقع «الجزيرة» فى ٢٩ يوليو ٢٠٢٢ ويقول حرفياً تحت عنوان «وثيقة لم تنشر تحكى تفاصيل تنظيم ٦٥ والعنف»: «لا تزال هناك مراحل تاريخية من مسيرة جماعة الإخوان لم تلق تغطية بحثية أو توثيقية بما يكفى، أو بما يعطى صورة صحيحة أو أقرب إلى الصحة، وذلك راجع لعدة أسباب ليس مجال التفصيل فيها الآن، وحينما كنت أرتب مكتبة شيخنا الدكتور يوسف القرضاوى، كانت هناك أوراق قديمة تتعلق بتنظيم الإخوان وتاريخه، ولما سألته: ماذا نفعل بها؟ قال: تخلص منها، فلا حاجة لى بها! فاستأذنته فى الاحتفاظ بها، فأذن» وفى الرسالة تفاصيل التفاصيل!

كل ما سبق من شهود عيان.. أغلب «المعترفين» من قادة التنظيم نفسه.. لا نثرثر فى الهواء.. ولا نلقى خطباً عصماء.. ولا نمارس خطيئة الكلام المرسل كما يفعل الكثيرون هذه الأيام!

وتتوالى الاعترافات..