محاولة نسف محكمة الاستئناف!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

فى الحلقات السابقة، تناولنا حوادث اغتيال أحمد ماهر باشا والمستشار أحمد الخازندار، ثم رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، وكذلك حادث ضبط السيارة الجيب الشهير، التى ضُبطت فيها كشوف أعضاء التنظيم الخاص، أو الجناح العسكرى لجماعة الإخوان، وكان يتم نقلها مع متفجرات وأسلحة من مكان إلى مكان آخر ظنت الجماعة أنه الأكثر أمناً بعد نُذر صدام مع الحكومة وقتها، لتصحو مصر على صدمة كبيرة من وجود هذه الكشوف التى أكدت وجود آلاف المسلحين المتدرّبين على السلاح والقنابل.. كان الحادث فى ١٥ نوفمبر ١٩٤٨ وعلى أثره حُلت الجماعة بالفعل بقرار من «النقراشى» فى ٨ ديسمبر من العام نفسه، ورداً على قرار الحل اغتالت الجماعة «النقراشى» نفسه، لكن بقيت أوراق قضية السيارة الجيب محل التحقيق فى مكتب النائب العام، وكان مقره بجوار محكمة استئناف القاهرة الكائنة حتى اليوم بمبنى محكمة جنوب القاهرة بباب الخلق، بجوار مديرية أمن القاهرة القديمة.. واستمراراً لأعمال الإرهاب المجرم قرّرت الجماعة نسف مكتب المحكمة، لتحترق أوراق القضية وكل الملفات التى ضُبطت فى السيارة، لتختفى الأدلة (الأحراز)، وبالتالى تنتهى القضية تماماً!

هناك فى شارع عدلى، حيث مقهى شهير جداً لا يزال موجوداً حتى اليوم، تناول شفيق إبراهيم أنس مشروبه الساخن، ومعه حقيبة جلدية سوداء شبيهة بحقائب السلك القضائى كله من محامين وقضاة.. كانت الحقيبة تحوى قنبلة أعدّها التنظيم الخاص وتسلّمها أنس، الذى سار بها مشياً على الأقدام من شارع عدلى إلى تقاطع شارع شريف، ومنه إلى ميدان الأوبرا، ومنه إلى ميدان العتبة، وصولاً إلى شارع بورسعيد بباب الخلق، ومنه إلى المحكمة، حيث وقف أمام مكتب النائب العام، فأبلغوه بأنه لم يحضر بعد، فزعم أنه وكيل إحدى النيابات، وجاء بأوراق مهمة.. ولكنه سيتركها ويذهب للإفطار وسيعود.. وإمعاناً فى الخداع ترك طربوشه الذى كان يرتديه فوق الحقيبة!

بعد مغادرته، شك أحد رجال حرس النائب العام فى الحقيبة بعد أحداث عنف كثيرة، فاستدعى أمن المحكمة الذى ألقى بها فى ميدان باب الخلق بعد إيقاف المرور، فانفجرت وهزّت المكان كله، بما فى ذلك حى الحلمية وحى الدرب الأحمر القريبان من المحكمة!

ساعد الطربوش فى القبض على شفيق أنس، الذى دفع رجال الأمن إلى البحث عن شاب لا يرتدى طربوشاً وسط مارة يرتدونه.. أرشد المارة عن رؤيتهم شاباً عارى الرأس.. فتم القبض عليه!

كالعادة.. أنكر «أنس» القصة.. واتهم الأمن بفبركتها.. وأشاعت عناصر الإخوان من جديد فكرة المظلومية.. لكن رجال التحقيق استدعوا مدربى الكلاب البوليسية وأجروا تجربة على الطربوش، فكانت من نصيب «أنس» فضلاً عن مقاس الطربوش نفسه!! فما كان من أنس إلا الاعتراف!

تمر السنوات.. وتنكر بعض مصادر الجماعة الحادث حتى بات الأمر مكشوفاً ومضحكاً، فانتقل الأمر إلى تبريره.. يعترف موقع الجماعة فيقول حرفياً: «فى ظل هذا الجو المشحون بالتوتر المصطنع من جانب الحكومة، يكون من البديهى أن يفكر بعض شباب الإخوان المسلمين فى حرق أوراق هذه القضية التى اتّخذت محوراً لكل هذه الدعاية المسمومة، حتى تفقد الحكومة حجّتها فى ما تنسبه بإصرار ضد جماعة الإخوان المسلمين.

من أجل ذلك وضع الأخ الكريم الأستاذ شفيق أنس، وكان حينئذ لا يزال فى ريعان شبابه قنبلة زمنية حارقة داخل حقيبة صغيرة شبيهة بحقائب المحامين بجوار الخزانة التى تحتوى على جميع أوراق قضية سيارة الجيب، بنية إحراقها وسلب الحكومة سندها لدى النيابة العامة فى كل ما تفتريه على الإخوان المسلمين ظلماً وعدواناً، لأنه يعلم علم اليقين أن الإخوان المسلمين أبرياء من كل اتهام يوجّه إليهم ضد مصر خاصة، وضد أى بلد عربى أو إسلامى عامة، وقد أصدر إليه أمر التنفيذ قائد النظام الخاص المسئول فى هذا الوقت، وهو الشهيد السيد فايز عبدالمطلب»!!

السيد فايز الذى قتلته الجماعة فى حادث نسف أيضاً.. لكن لذلك حديث آخر!