وصلتنى رسالة من د. صلاح سند، أستاذ النساء بقصر العينى، يحاول فيها أن يضع النقاط على الحروف فى قضية الحجامة، ولظروف المساحة سأعرض الرسالة بدون تعليق:الحجامة (Cupping) هى شفط الجلد بواسطة أكواب تصنع ضغطاً عكسياً، وقد يصاحبها تجربح الجلد للإدماء (phlebotomy) داخل الكوب، بهدف إحداث تأثير علاجى لبعض الأمراض.وقد عُرفت الحجامة منذ القدم فى شعوب عدة مثل الصين وقدماء المصريين والإغريق وفى الجزيرة العربية قبل وبعد ظهور الإسلام، ومن العجيب مثابرتها على الوجود فى كثير من الشعوب ذات الثقافات المختلفة، ويمكن أن يعزى ذلك لعوامل مختلفة كارتفاع أسعار العلاج وقصور الطب عن علاج كثير من الأمراض، والرغبة فى الكسب المادى، بالإضافة إلى النظرة المتباينة لفكرة الحجامة لدى الشعوب المختلفة، فهى:
١- «طب نبوى»: كما فى بعض الشعوب الإسلامية. وأتحفظ على هذه التسمية، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر بالتداوى بالوسائل الطبية المتاحة فى عصره ومنها الحجامة، ولا أظن أن التفاصيل الدنيوية لطرق العلاج من مقاصد الرسالة.
٢- «طب بديل»: حيث الاتجاه للعلاج بوسائل غير دوائية، بالرغم من عدم جواز ذلك إلا بعد إثبات الفائدة بأبحاث غير متحيزة.
- «طب شعبى» (Folk Medicine): متوارث من الأقدمين كمهارات تتميز بها الثقافات المختلفة، سواء كان لها أساس علمى أم لا، مثل منع الحمل فى الهند باحتساء الكركديه، وإحداث الدورة الشهرية للسيدات فى مصر بشراب القرفة.
هل يمكن إسباغ الخلفية العلمية على الحجامة؟ ذلك ما يحاوله البعض، فيذكرون:
١- نظريات تخفيف الألم: إلهاء المخ (brain distraction) عن الألم الذى يعانى منه المريض بإحداث ألم أبسط بواسطة الحجامة (counter-irritant)، مثلما يفعل الكى لتخفيف الألم. أو التأثير على خلايا الألم العصبية فى الجلد (Conditioned pain modulation) مثلما يفترض بواسطة الإبر الصينية
٢- نظرية تنشيط الجهاز المناعى: بإحداث التهاب موضعى، بهدف زيادة المقاومة ضد الأمراض، وذلك شبيه بمن استخدم لدغات النحل فى العلاج.
٣- إفراز غاز أكسيد النيتريك (Nitric oxide) من جدار الأوعية الدموية، وهو يساعد على توسيع الأوعية الدموية وزيادة سريان الدم وتقليل الضغط والتجلطات.
وأيضاً تم افتراض ذلك باستخدام الإبر الصينية. ومن المعروف أن هذا الغاز يفرز كرد فعل موضعى لإصلاح الضرر الذى سببه الالتهاب، ولكنه يسبب الضرر إذا وصل لمستوى أعلى من المطلوب.
٤- نظرية إزالة السموم من مكان الحجامة (فى حالة تجريح الجلد وجمع الدم فى كوب الحجامة):(Blood detoxification theory)
وتعتمد النظرية على شفط المواد السامة بواسطة الضغط السلبى. ويستدلون على صحة النظرية بوجود نسب عالية من المواد الضارة فى دم الحجامة، مثل حمض البوليك والبولينا والكوليسترول والدهون الثلاثية والمعادن الثقيلة، ويسردون بعض النظريات التى تفيد باختلاف انجذاب المواد المختلفة حسب خواصها الفيزيائية. ولكن من الطبيعى كثرة المواد الضارة فى دم الحجامة مقارنة بالدم الوريدى، بسبب التدمير الواقع على الأنسجة بالضغط السلبى والتجريح.
** وفى هذا الصدد فكاهة محزنة بإفهام البعض للعامة خروج الدم الفاسد من خلال الحجامة.
نقد ونقض الأساس العلمى للحجامة:
١- كل ما تم التمسح به من نظريات علمية قد يفسر فقط القليل من التأثير الموضعى والمؤقت لبعض الآلام (مثلما يستخدمها بعض الرياضيين)، ولكنه يعجز عن تفسير الفائدة فى سلسلة طويلة من الأمراض المدعى علاجها بالحجامة كالسعال وضيق التنفس وارتفاع الكوليسترول وضغط الدم والأمراض المناعية والوقاية من سرطان البروستاتا وتحسين صحة الجهاز الهضمى وعلاج العقم.. إلخ.
٢- من المستحيل علمياً مقدرة أى طريقة ما على علاج أمراض تتباين فى أسبابها وطرق حدوثها.(different pathogenic mechanisms)
٣- محاولة إيجاد أساس علمى للحجامة هو أسلوب معكوس للبحث العلمى. فالصواب هو وضع نموذج بحثى يهدف لاختبار أثر وسيلة علاجية ما فى إحداث الفائدة، اعتماداً على أساس علمى مفترض ومحدد مسبقاً (medical background that advocates the proposal) وليس كما فى الحجامة التى تم افتراض فائدتها، ثم يتم البحث عن السبب الذى يفسر ذلك.
- لا يوجد أساس علمى ينظم خطوات التقنية ومعيار الصواب والخطأ؟ مثل عدد الأكواب ومكان وضعها، مقدار الضغط السلبى، عدد الجروح وطولها وعمقها.
وكل التعليمات المذكورة بشأنها اجتهادات ليس لها مصدر معروف موثوق.وباختصار: رغم قدم الحجامة، فليس لفائدتها حتى الآن إثبات علمى مبنى على البرهان (No evidence-based proof)هل هناك مسئولية قانونية على ممارس الحجامة؟ لا توجد فى مصر لوائح تنظم هذه الممارسة، وقد يكون القائم بها مداناً، حال حدوث شكاوى أو مضاعفات (كتلوث الجرح، أو حدوث كدمات وحروق) بأكثر من تهمة، مثل:
١- ممارسة عمل بدون ترخيص
٢- ممارسة علاج لم تثبت فائدته
٣- إحداث جرح عمداً بالمريض لفائدة ليست موثقة علمياً، ولا أظن أنه برضا المريض بإجراء العملية ينتفى قيام القصد الجنائى
٤- لغير الأطباء: جريمة العلاج بدون شهادة التعليم الطبى، انتهاك جسد المريض والاطلاع على عورته
وإذا ثبت علمياً فى المستقبل فوائد للحجامة فأهلاً بها كفرع للطب التكميلى، ولكن حتى يتحقق ذلك فهى تمثل نظاماً غير رسمى فى ممارسة التطبيب، يمارسه غير الطبيب قبل الطبيب، فلا ينبغى للجهات المسئولة تجاهله، بل يجب أن يصدر بشأنها قرارات ملزمة من وزارة الصحة.