ليس هناك أسوأ من أن تدفع شخصاً للانتحار ثم تتلذذ بالإجهاز على سمعته والإساءة له ولذويه واستخدام السوشيال ميديا لتعذيب «ميت» لا يملك الدفاع عن نفسه!
لم يكتف المجرمون بدفع «نيرة - طالبة العريش» للانتحار بنشر مراسلات من هاتفها بعد أن نقلتها خِلسة إحدى زميلاتها «المتهمة الأولى» من هاتف الطالبة نيرة الزغبى إلى هاتفها وأرسلتها إلى صديقها «المتهم الثانى»، وبدوره راسل «جروب الدفعة» على «الواتساب» بأن للطالبة مراسلات وصوراً خاصة بها، مهدداً إياها بنشرها فى الوقت الذى يختاره الطلاب على «الجروب»، وأجبرها على الاعتذار عما بدر منها من إساءة فى حق المتهمة الأولى.. لقد قرروا بكل خسة ووضاعة سلخ جثتها وتوزيعها لتلوكها الأفواه ويتندرون على «الشيخة اللى كانت بتصلى بينا فى السكن وعاملة نفسها إمام».. فدشن هواة التجريح وتزييف الحقائق هاشتاج مشبوهاً بعنوان «زملاء نيرة يكشفون حقيقتها»، شارك فيه أكثر من 100 حساب وهمى بنشر نفس الرسالة بصياغتها المريبة تماماً كما حدث مع المغدورة «نيرة أشرف»!.
وبسرعة مذهلة تصدت لهم النيابة العامة، وأمر النائب العام المصرى محمد شوقى بإجراء التحقيقات فيما أثير على مواقع التواصل الإعلامى من نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس، وقررت النيابة العامة تكليف قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية بإجراء التحريات الفنية اللازمة لفحص كافة المواقع الإلكترونية التى تناولت الواقعة، وصولاً لبيان ما إذا كان أى منها قد تضمن أخباراً كاذبة أو بث أياً من الشائعات التى من شأنها تهديد الأمن العام وتكدير السلم من عدمه، وفى الحالة الأولى بيان تلك الأخبار تحديداً وتاريخ ووسيلة نشرها والشخص القائم بالنشر.
وكأن الموت أو الانتحار ليس كافياً لتهدأ شهوة التنكيل بالآخر ودفعه للانتحار.. ويُشفى حقد زميلة أعمتها الغيرة ربما أو أسقطت من ضميرها معانى: (الشرف، الفضيحة، السمعة) وتحولت إلى شيطانة تعبث مع زميلها بهاتف مدنس بالتآمر والتنمر والتشهير والابتزاز والتهديد.. والسبب مجهول!!.
ورد تقرير قطاع الاتصالات والتكنولوجيا ليؤكد اضطلاع عدد من العناصر -بعضها هارب خارج البلاد- باستخدام حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى إذاعة أخبار وشائعات كاذبة حول وفاة طالبة جامعة العريش، تضمنت -على خلاف الحقيقة- أن المجنى عليها قد قُتلت وأن لأهل قاتليها نفوذاً تمكنوا من خلاله من طمس أدلة الاتهام وعدم مساءلة مرتكبى واقعة القتل المزعومة، وقد طالعت النيابة العامة تلك الحسابات، فرصدت الأخبار والشائعات الكاذبة محلها، كما استجوبت المتهم الذى ضبط، فأقر بارتكابه للواقعة، فأحالت المتهمين للمحكمة المختصة، وتحددت جلسة الثامن والعشرين من شهر أبريل الجارى لبدء إجراءات محاكمتهم.
جاء بالتقرير والذى شهد القائم بإعداده باضطلاع المتهم القائم على إدارة الحساب المسمى موسيلفا «mo silva» بإذاعة أخبار كاذبة من خلال حسابات أدارها بشخصه عبر منصتى «تيك توك، اليوتيوب» وموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تضمنت على خلاف الحقيقة التقاط المتهمين فى واقعة وفاة طالبة جامعة العريش صوراً مخلة للمتوفاة وقيامهما بتهديدها بنشرها وقتلاها سماً بعد أن استغاثت بالقائمين على إدارة الكلية محل دراستها والذين أحجموا عن تقديم العون لها لنفوذ أهلية المتهمين، وكان من شأن تلك الأخبار الكاذبة تهديد الأمن العام وتكدير السلم (!!).
عندما كنا طلبة فى عمر هؤلاء، (قبل اختراع السوشيال ميديا)، كنا ننشر إبداعنا من الشعر والقصص القصيرة فى مجلة الحائط بالجامعة، كنا نعرف معنى «الزميلة».. زميلتى هى أختى التى أحميها وأدافع عنها (جيلى تخرج بلا قصص غرام جامعية).. كنا أخوة وأخوات بالفعل: فى جامعة الإسكندرية كلية الآداب، عندما تنتهى المحاضرات نصعد إلى المترو ونذهب إلى «محطة الرمل» لشراء الكتب القديمة التى نتبادلها فيما بعد.. لا أزعم أننا كنا عباقرة نتنافس من يصبح الأول على الدفعة لكننا أيضاً لم نعرف ظاهرة «الغش فى الامتحانات».. ما الذى تغير فينا؟!!.
هل كل هذا من هوس الحصول على المشاهدين والمتابعين؟قبل أن تتحول هذه الحوادث إلى ظاهرة من الانتحار بحبة الغلة إلى قتل «نيرة أشرف» وحتى اغتيال «نيرة الزغبى» معنوياً حية وميتة يجب أن يتوقف الإعلام ومؤسسات التعليم وخبراء علم النفس والاجتماع للتصدى لهذا التوحش والهمجية فى علاقات الحب والزمالة.. أو لنقل توحش الشباب الذى أصبح التحرش فى حياته «عادة» والتدخين والمخدرات «روشنة» وسرقة الآباء «فهلوة».نحن لا نملك إلا «القيم» لتحفظ للمجتمع أمنه وسلامه، (قبل وزارة الداخلية)، ويجب أن نتوقع تزايد معدلات الجريمة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.. أتصور أن الجيل الحالى بحاجة إلى «تربية» من جديد قبل أن نقدم للوطن أجيالاً من الوحوش التى تتربص ببعضها البعض وتفتك بأحلام الغد (من أجل زيادة المتابعين)!!