الأميرة رشا يسري تكتب.. حوار المسيّرات بين إسرائيل وإيران
نعم.. العنوان صحيح.. ومقصود، حوار المسيّرات لا حرب المسيّرات، فعندما شنّت إسرائيل غارتها التى قتلت فيها خمسة عسكريين كبار على الأقل فى الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية فى دمشق، وكان من بينهم وعلى رأسهم قائد كبير فى الحرس الثورى الإيرانى هو محمد رضا زاهدى، قائد القوات الجوفضائية والقوات البرية لحرس الثورة الإسلامية، وأحد كبار قادة فيلق القدس، توقع الكثير أنها بداية لحرب إقليمية فى المنطقة.
لحظتها.. وقف العالم على أطراف أصابعه، أن يتسبب هذا الهجوم فى حرب لا تريدها أمريكا ولا دول المنطقة ولا دول العالم التى لها مصالح حيوية فيها، فأضرار الحرب لا تقتصر على أطرافها، شاهدنا ذلك جليّاً فى الأثر الذى خلفته ولا تزال الحرب الروسية الأوكرانية على كثير من دول العالم المرتبطة بمصالح مع الدولتين.
لكن هذه الضربة أهانت كبرياء قادة إيران، ووضعت حكامها فى مأزق داخلى، أمام شعبها.. وخارجى أمام من يناصرونها ومن يهاجمونها على حدٍ سواء، فكلاهما ينتظران منها أن ترد الضربة، لكن إيران يبدو أنها لم ترد توسيع رقعة الاشتباك، وبدت واضحة فى أنها غير راغبة أن تدخل فى مواجهة شاملة مع إسرائيل والقوى الدولية الداعمة لها وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لأن إيران تعى جيداً مخاطر هذه المواجهة عليها، فماذا تفعل؟
خرجت التصريحات من إيران بأنها سترد، وجاء الرد ليلة السبت فجر الأحد الموافق 14 أبريل بمثابة بروباجندا لا تخلو من تأكيد قدرة إيران العسكرية التى أخطرت كل جيرانها تقريباً بموعد الضربة، وأعلنت ساعة قيامها بشكل جعل الطرف الإسرائيلى يستعد لها، وظهرت القوة الداعمة لإسرائيل بوضوح وهى تشارك فى صد الهجمة، وأعلنت أمريكا وبريطانيا مشاركتها فى صد الهجوم الإيرانى، وجاء فى ذلك ذكر لفرنسا ودول أخرى ساهمت فى إسقاط المسيرات الإيرانية قبل وصولها إسرائيل.
لقد نفّذت إيران هجوماً بمسيّرات وصواريخ على إسرائيل هو الأكبر من نوعه للهجوم بالمسيّرات فى التاريخ بحسب وسائل الإعلام وخبراء فى المجال، استمر لنحو 5 ساعات، وهو أوّل هجوم مباشر من هذا النوع تشنّه طهران ضدّ تل أبيب، بعد حوالى أسبوعين على قصف القنصليّة الإيرانيّة فى دمشق.
وما يؤكد رغبة إيران فى أنها هى بذاتها لا تريد التصعيد.. قالت البعثة الإيرانيّة لدى الأمم المتحدة فى رسالة عبر منصّة «إكس» أثناء طيران مسيّراتها فى الجو: «هذا نزاع بين إيران والنظام الإسرائيلى، ويجب على الولايات المتحدة البقاء فى منأى عنه»، وقالت إنّ «العمل العسكرى الإيرانى نُفّذ على أساس المادّة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلّق بالدفاع عن النفس، وكان رداً على عدوان النظام الصهيونى على مقارّنا الدبلوماسيّة فى دمشق».
وكان بيت القصيد فى تأكيد البعثة الدبلوماسية الإيرانية لدى الأمم المتحدة فى بيانها وقت الهجمة أنّ: «المسألة يمكن اعتبارها منتهية. لكن إذا ارتكب النظام الإسرائيلى خطأ آخر، فإنّ ردّ إيران سيكون أشدّ خطورة بكثير».
وجاء فجر الجمعة 19 أبريل ليحمل رداً من إسرائيل على إيران، عندما سُمع دوى انفجارات قرب قاعدة جوية فى أصفهان، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن إسرائيل شنت ضربة ضد إيران رداً على هجومها الذى شنته على إسرائيل بالمسيرات فى 14 أبريل، وبعد سماع دوى الانفجار الأول فى قاعدة عسكرية بأصفهان قامت إيران بتفعيل دفاعاتها الجوّية فى عدّة محافظات بالبلاد.
وبنفس حرص البعثة الدبلوماسية الإيرانية على اعتبار المسألة منتهية بعد هجومها الواسع بالمسيرات فى 14 أبريل، فإن إسرائيل بالمقابل حرصت على عدم إعلان تحمّلها مسئولية الهجوم بالمسيرات فجر الجمعة 19 أبريل، إذ بحسب وسائل إعلام محلية فى إسرائيل فإن تل أبيب عممت منشوراً على سفاراتها بالخارج من عدم تأكيد مسئوليتها عن هذا الهجوم أو مناقشته.
وعلى الرغم من ذلك جاء رد الفعل الإيرانى على الضربات صباح أمس الجمعة 19 أبريل على أراضيها خافتاً ومعتدلاً، حتى إن بعض المسئولين الإيرانيين نفى حدوثها تماماً، كما سخر آخرون منه ووصفوه بأنه «هجوم فاشل» لم يتضمن سوى «عدد قليل من المروحيات (المسيّرة) الرباعية».
فمن المهم بالنسبة للقيادة الإيرانية، التى تواجه تحديات داخلية خطيرة، أن تقدم نفسها على أنها الطرف المنتصر فى تعاملها مع إسرائيل. ومن المهم لإسرائيل أن تقدم نفسها للداخل عندها على أنها الطرف المنتصر فى تعاملها مع إيران، لكن من جهة أخرى بدا أن قواعد الاشتباك بين الطرفين فى اتساع متزايد، وهو ما تحذّر منه مصر تكراراً ومراراً من أن اتساع رقعة الصراع يهدد باندلاع حرب إقليمية بالمنطقة.
على أن المثير فى الضربة الإسرائيلية غير المعلنة التى استهدفت أصفهان فجر الجمعة، أن المسيرات أقلعت من حدود متاخمة لإيران، وهى رسالة مفادها أن كما لإيران أذرعاً ووجوداً على حدود إسرائيل فى سوريا ولبنان، فإن لإسرائيل كذلك أذرعاً على حدود إيران.